الثلاثاء 16-سبتمبر-2025 - 24 ربيع الأول ، 1447

المولد النبوي.. بين الاحتفال والاقتداء بالرسول

المولد النبوي.. بين الاحتفال والاقتداء بالرسول

نحتفل هذه الأيام لا نقول بذكرى الميلاد النبوي الشريف، لأن الذكرى عكس النسيان، ونحن لم ننس النبي صلى الله عليه وسلم حتى نذكره يوماً فقط في العام، فأنت كل يوم تردد اسمه في الأذان وفي الصلاة، ولكن ما أحوجنا اليوم ونحن نتلمس طريق النجاة والنور، ما أحوجنا ونحن نحاول أن نحرر أراضي المسلمين أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم ونحن نسير لتحرير المسجد الأقصى الأسير في أيدي اليهود أن نقتدي به ونحن ندعو الله أن يُطهر أرض أخيه عيسى بن مريم البتول عليهما السلام في فلسطين أن نقتدي به ونحن نحارب الصهيونية العالمية والصليبية العالمية، والشيوعية العالمية التي تدمر المسلمين، ما أحوجنا وذكراه تمر بنا أن يكون قدوتنا في كل شيء، هذا هو تكريمه، لا أن يكرم بالعُطل وحكم الله معطل في الأرض، لا أن يُكرم بتعليق المصابيح والأنوار وقلوبنا محجوبة عن نور هديه صلى الله عليه وسلم تموج في الظلمات، ما أن تخرج من ظلمة حتى تدخل في أخرى، والله الذي قال فيه: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46)} (سورة الأحزاب، 45 – 46).

تكريم النبي بين الحقيقة والزيف

أين نحن الآن من هذا السراج المنير، أتكريمه بهذه العطل؟ وتلك الخطب وهذه المصابيح التي تعلق؟

الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُكرم بهذه الاحتفالات ولا يكرم بالمناسبات ولا تبادل التهاني والتبريكات، ولا تبادل المصاحف ذات الطبعات الفاخرة، وأولياؤه المؤمنون يُذبحون، شرعه مهجور، وكتابه مقذوف خلف الظهور، ثم نقول تُمر علينا مواسم الاحتفالات بذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم أهكذا يُكرم؟

لقد حدد الله عز وجل تكريمه صلى الله عليه وسلم باتباعه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} (سورة الأحزاب، الآية: 21).

 نتلمس طريقنا في معاني الأخوة التي غرسها في قلوبنا صلى الله عليه وسلم: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} (سورة آل عمران، الآية: 103).

ثم يبين الله عز وجل إذا رفعه وشهد له بالكرامة وبيّن أنه رسول الرحمة والناس اليوم من نصارى وشيوعيين، واليهود لا يذكرونه إلا بأسوأ الصفات، لو سألتهم ماذا تعرفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الرحمة لقالوا لك هذا زير النساء، وبأقبح الصفات.

حال الناس مع الأنبياء

تنكروا له، وهم في الدنيا، وفي الآخرة، يوم يطول وقوف الناس بين يدي الله رب العالمين، الشمس من فوق الرؤوس، والنار تحيط بهم من كل جانب، ظمأ يمتد خمسين ألف سنة، ماذا تفعل البشرية الضالة التائهة عبر العصور والدهور، وهي في ساحة المحشر تتلفت ذات اليومين وذات الشمال، ألا من منقذ؟ ألا من مجير؟!

يذهبون إلى آدم، يذهبون إلى إبراهيم، إلى نوح، إلى عيسى، إلى جميع الأنبياء، كلهم يطردونهم، إني لا أستطيع أن أفعل، إني ارتكبت خطيئة، إني ارتكبت ذنباً، ثم ألجأهم الله إلى هذا النبي الذي حاربوه في الدنيا، ونسوه وهجروه في الدنيا، وأدخلوه من أسوأ أبواب التاريخ، وحاربوه في أوليائه، في قرآنه، في سنته، في شرعه، ما حكموه بين العباد، يأتون راكعين أذلة يقولون: يا محمد، ألا ترى ما أصابنا؟ ألا ترى ما حل بنا؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول: أنا لها فيذهب إلى رب العزة، يخر تحت العرش يحمده بمحامد، ويسبحه بإلهام، من الله فيقول: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فيقول: يا رب أجرِ الحساب، يا رب أجرِ الحساب.

هذا هو النبي الذي تنكروا له وحاربوه وهجروا شرعه، لماذا لم يعودوا إلى الله؟ هل يجدون من يعطي أفضل من الله؟ إذا أكل أحدهم لقمة، وقال: الحمد لله، رضي الله عنه، ينزل في كل ليلة لا للطائعين، بل للسكارى والحشاشين والعصاة، في كل ليلة، هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه، ثم لا يحكمون شرعه، ولا يتبعون نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم يقفون في كل عام مرة يخادعون أنفسهم نحتفل بالإسراء، بالميلاد، وهذا كذب وخداع.

نبينا رحمة للعالمين

من أراد أن يُكرم محمداً صلى الله عليه وسلم فليطبق شرعه، وليتبع هديه، وليلتزم دينه، والله عز وجل يقول عنه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (سورة الأنبياء، الآية: 107)، أين نحن من هذه الرحمة، للعالمين، لم يقل بالعالمين، لأن الباء للاستعانة، فمن لليتامى؟ ومن للفقراء، للضعفاء، وللأرامل، يوم أن يقف الجبارون حائلاً بينهم وبين الرحمة، الرحمة للعالمين، ملك للجميع، لكل إنسان، لعالم الملائكة والجن والإنس، والحيوانات، والنبات، والحشرات، والجماد.

عالم الملائكة تأتيهم الرحمة باستغفارهم للمسلمين، يستغفرون للذين آمنوا، عالم الجن تأتيهم الرحمة: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)} (سورة الجن، الآية: 1).

آمنوا به فانتشرت رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم.

عالم البشر والناس: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم...} (سورة إبراهيم، الآية: 1).

عالم الحيوان، يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"، من ذبح عصفوراً بغير غرض أو حاجة، جاء يوم القيامة يعج إلى الله، لقد ذبحني هذا بغير غرض أو حاجة. (وعن الشريد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى الله يوم القيامة، يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني منعة" (رواه النسائي وابن حبان وهو ضعيف).

 حتى عالم النبات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من كانت في يديه فسيلة (شجرة صغيرة) فإن استطاع أن يغرسها قبل أن تقوم الساعة فليغرسها".

بل إن رحمته امتدت إلى عالم الجماد، يقول تعالى: { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} (سورة الإسراء، الآية: 44).

ويشير إلى جبل أُحد ويقول: (هذا جبل يحبنا ونحبه)

 بل امتدت رحمته إلى عالم الحشرات الصغيرة فيقول: "إن نبيًا من أنبياء الله نزل تحت شجرة فقرصته نملة، فأمر بتحريق مملكة النمل، فأنزل الله عليه الوحي يقول له على نملة واحدة؟ لما تحرق مملكة تسبح لله رب العالمين". رحمته امتدت إلى عالم الحشرات والحيوان.

وكلنا يعلم قصته صلى الله عليه وسلم، وهو سائر إلى فتح مكة، والجيش الضخم خلفه يسير عشرة آلاف مجاهد، وتأتي قُبرة، عصفور صغير، ترفرف فوق رأسه صلى الله عليه وسلم، فيوقف الجيش كله ويلتفت لها فيشير إليها قائلاً: "من فجع هذه في وليدها" فيخرج أحد الجنود فيقول: أنا يا رسول الله، فيقول: "أعد إليها وليدها" فيعيد لها فرخيها فتعود القُبرة فترفرف على فرخيها الصغيرين بجناحيها، أن من يرحم الطائر والنملة فمن باب أولى أنه يرحم الإنسان.

إذا أردنا أن نكرم هذا النبي ينبغي أن نسير على هديه وأن نقتدي به صلى الله عليه وسلم.

ولنا وقفة مع رحمته صلى الله عليه وسلم فهو يقول على نفسه صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا رحمة مهداة"، هدية من الله إلى الناس.

الرماة في غزوة أُحد، الرماة الذين وضعهم الرسول صلى الله عليه وسلم على جبل الرماة لما خالفوا أمره ونزلوا إلى جمع الغنائم، وتسببوا في أكبر هزيمة تقع في الدولة المؤمنة، وكان حصاد هذه الهزيمة جرح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ونزول دمائه، وكسر رباعيته، حتى كان لا يستطيع الوقوف على رجليه من شدة نزيف الدم الذي أصابه، رغم كل ذلك عفا عنهم صلى الله عليه وسلم.

إلى من يحاربون السنة النبوية

قال تعالى في كتابه الكريم: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (سورة التوبة 128)

وهنا في هذه الآية العجيبة، لم يجمع الله في كتابه الكريم صفتين من صفات الله إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم، بالمؤمنين رؤوف رحيم، إذن نبي يصفه الله برحمته ورأفته فنهجر دينه، فماذا نقول له غداً؟ عندما تأتي البشرية لكي تشرب من حوضه شربة واحدة، ماذا تقول له؟ وقد حاربته في دينه، تقول له: يا محمد اسقنا شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً؟، بأي وجه ستقابله، خاطبوا الذين يأكلون الربا، خاطبوا الذين يأخذون الرشوات هذه الأيام، ماذا يقولون للنبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما يأتون مع الخلائق حفاة عراة جياعًا ظمأى في نصب شديد، يريدون أن يشربوا شربة واحدة، ثم يطردهم الله كما تُطرد غرائب الإبل، لأنهم هجروا دينه صلى الله عليه وسلم، أما الذين لم يحبوه في الدنيا صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه، فإنهم لن ينالوا شربة من يده، لأن الجزاء من جنس العمل، فمن لم يفز بحب الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفز بشربة من حوضه صلى الله عليه وسلم.