الاثنين 08-ديسمبر-2025 - 17 جمادى الآخر ، 1447

دور الأسرة والمدرسة والإعلام في تربية الأجيال

72
2024-07-18


الانتفاضة والتربية والإعلام

التعريف بالخطبة

الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام مربع التأثير الخطير الذي خرج من أركانه أبطال فلسطين الذين أبهروا العالم بشجاعتهم حتى جعلوا شاعر الجنس يقر برجولتهم أمام مجونه وشهواته،فهم يشبهون في جهادهم أبطال الصاحبة في بدر والأحزاب حين تغلبوا على الخوف وانتصروا على انفسهم قبل عدوهم.

عناصر الخطبة

أولا: مربع تنشئة الأبطال

ثانيا: اعترافات شاعر الجنس

ثالثا: نزار قباني قصيدة الغاضبون 

رابعا: أولادنا بين مطرقة التعليم وسندان الإعلام

خامسا: طفل وحجر حجة على البشر

سادسا: كيف تنتصر القلة على الكثرة

سابعا: الانتفاضة الفلسطينية بأقلام يهودية

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة.

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والصحابة أجمعين، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

أما بعد، عباد الله..

إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته، وأن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وأن ينصرنا على أعدائنا، ويجعلنا من الصادقين المخلصين، ويظلنا في ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله.

عباد الله..

أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: 102).

مربع تنشئة الأبطال

أحبتي في الله..

كلنا نحيا هذه الانتفاضة والجهاد في فلسطين، وعلمنا علم اليقين أن لقاء البيت المسلم، والمدرسة المسلمة، والمسجد المبارك، هذا المثلث المبارك، أوجد جيلاً إسلامياً دوّخ اليهود، وقذف الرعب في قلوبهم، يوم أن يلتقي البيت المسلم برقابة الوالدين، والمنهج المدرسي بقيادة المدرس المؤمن الذي يتدفق الإيمان من قلبه إلى قلوب التلاميذ.

وبيت الله الذي يقول الله عنه وعن روّاده: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ {36}‏ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (النور).

وأعلنت حكومة اليهود أن مشكلة الجامعات والمساجد والتكافل الاجتماعي بين الأسر الفلسطينية المسلمة الآن تشكّل خطراً ومشكلة غير قابلة للحل، حرّفوا مناهجهم في المدارس، وجاؤوا إلى سورة «البقرة» التي تفضح اليهود وطبائعهم، وأخذوا يتآمرون عليها.

ماذا فعل الفلسطينيون؟

أخذوا يجمعون الصدقات من فلسطين وخارج فلسطين، وأنشؤوا المدارس والمعاهد ومأوى الأطفال واليتامى، وأخذوا بمنهجهم الإسلامي المبارك يخرجون أجيالاً بعد أجيال، مسبِّحة لله مكبِّرة له، لا يضرهم مكر اليهود وخبثهم، واقتطعوا أقوات أرزاقهم، وانطلقوا من بيوت الله ومكبرات الصوت تحت صيحة الله أكبر، الله أكبر، فثبتوا.. والآن هم في شهرهم الرابع، أمام الآليات، والمجنزرات، وتحولت كل المناهج الهدامة التي جاءتهم من العرب قبل اليهود، والقصائد والأدبيات التي كانت تتكلم عن الجنس، التي كانت تعتبر الإلحاد ثورية، والكذب دبلوماسية، والنفاق مجاملة، التي كانت تقول عن الله جل جلاله وعن دينه، إنه حفرية في متحف التاريخ، وكانوا يعتبرون هذا تقدمية، وثورية، وإذا بهذا الجيل الثالث الذي جاء بعد نكسة 1967م هو، هو، يمسك بيده المتوضئة الحجارة، ويضربها في وجه اليهود، فتقتدي بهم الأم الضعيفة، والشيخ الكبير، والطفل الصغير، حتى إن جندياً مر على طفل في الخامسة عند باب بيته، فأخذ الحجارة ثم ضرب بها الجندي، فقال له: من أمرك بهذا؟ قال: أخي محمد، فاقتحم البيت باحثاً عن الثائر المجاهد، وإذا محمد عمره ثلاث سنوات.

الجندي يبحث: أين هذا الذي يأمر أخاه بأن يرجمنا بالحجارة؟

قال الوالدان الفلسطينيان: هذا محمد.. أسنانه لا تزال تخرج في فمه، شرب من الصدر الطهور، لم تترب الأجيال على أنفاس خادمات من شرق أو غرب، ولا على مناهج هدّامة، وأناس متخصصين في هدم هذه المناهج، مما جعل شاعر الجنس، كرّمكم الله وكرّم هذا المسجد، «قباني» الذي هدم السلوك والأخلاق لسنوات في شعره ودواوينه، يقف حائراً مبهوتاً، ولا يملك إلا أن يعترف بجريمته، عبر السنين ودواوين من الشعر، وأرسل رسالة إلى الأرض المحتلة، إلى شاعر له هناك اسمه «سميح القاسم»، ماذا يقول في رسالته بعد أن رأى تلاميذ غزة، وشباب غزة، ورام الله، والخليل، واللد، ويافا، وحيفا، وكل الأماكن هناك، يلتقون من العاشرة إلى العشرين، يتحدون اليهود وبلغ أعداد الشهداء إلى يومنا هذا إلى 155 شهيداً.

اعترافات شاعر الجنس نذار قباني

يرسل نزار فيقول معترفاً:

هزتني رسالتُك الرائعة.. القادمة من هناك، حيث تُعلمُنا الأيدي الصغيرة مبادئ القراءة والكتابة..

شاعر، فحل، في مقام الشعراء الفصحاء، سخّر شعره للجنس، الآن يقول: بدأت أتعلم مبادئ القراءة والكتابة، على أيدي تلاميذ غزة

وهذا اعتراف نشرته مجلة «الهدف»!

استمعوا ماذا يقول:

حيث تُعلمُنا الأيدي الصغيرة مبادئ القراءة والكتابة..

بعدما تحوّلنا جميعاً إلى أمّيين..

وا خجلة الشعر يا سميح، من هؤلاء الأنبياء الذين كسروا بحجارتهم زُجاج أبجدياتنا.. واغتصبونا مرفاً.. مرفاً.. وكلمة كلمة.. وحوّلوا دواويننا إلى أحذية عتيقة.. وشعراءنا إلى بغايا..

الله أكبر، والله ما كنا نستطيع أن نستخلص مثل هذا الكلام الخطير؛ لأنهم يظنون أن أنفسهم معصومون، لا يخطئون، فعندهم المناهج، وعندهم الفكر، وعندهم الفهم، فإذا الطفل الصغير بحجارته يجعل دواوينهم أحذية قديمة، باعتراف كبيرهم الذي علمهم السحر.

ثم يقول:

صدّقني يا سميح، إنني أشعر بالخجل أمام هؤلاء المبدعين الذين أقالونا جميعاً، كتَّاباً، وشعراء، ومفكرين، ومنافقين، ومنجّرين، واستلموا السلطة.

نحن ملوك مخلوعون.. والملوك الحقيقيون هم هذه السلالة الفلسطينية الطالعة من رحم الحجر.. ثم يقول قباني

يقول نحن ملوك «الكُوتشينة».. الذين يمضغون القات.. ويمضغون لحم النساء بالجملة.. ولحم الشعوب بالجملة.. ويغتالون القصائد بالجملة..

إننا من المحيط إلى الخليج نتوضأ بالأكاذيب..

قصيدة الغاضبون للشاعر نزار قباني

ثم قال قصيدته المشهورة، بعنوان «الغاضبون»:

يا تلاميذ غزة

علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا

علمونا بأن نكون رجالاً .... فلدينا الرجال صاروا عجينا

علمونا كيف الحجارة تغدو .... بين أيدي الأطفال ماساً ثميناً

كيف تغدو دراجة الطفل لغماً .... وشريط الحرير يغدو كميناً؟!

كيف مصاصة الحليب .... إذا ما اعتقلوها تحوّلت سكيناً؟!

يا تلاميذ غزة .... لا تبالوا بإذاعاتنا ولا تسمعونا

اضربوا.. اضربوا بكل قواكم .... واحزموا أمركم ولا تسألونا

نحن أهل الحساب والجمع والطرح .... فخوضوا حروبكم واتركونا

إننا الهاربون من خدمة الجيش .... فهاتوا حبالكم واشنقونا

نحن موتى لا يملكون ضريحاً ويتامى .... لا يملكون عيوناً

 قد لزمنا جحورنا .... وطلبنا منكم أن تقاتلوا التنينا

قد صغرنا أمامكم ألف قرن .... وكبرتم خلال شهر قروناً

(وصيته الأخيرة)

يا تلاميذ غزة .... لا تعودوا لكتاباتنا، لا تعودا لشعري، لا تعودوا لدواويني، لا تعودوا لكتاباتنا ولا تقرؤونا

نحن آباؤكم فلا تشبهونا .... نحن أصنامكم فلا تعبدونا

نتعاطى القات السياسي والقمع .... ونبني مقابر وسجوناً

حررونا من عُقدة الخوف فينا .... واطردوا من رؤوسنا الأفيون

علّمونا فنّ التشبث بالأرض .... ولا تتركوا الرسول حزينا

يا أحباءنا الصغار سلاماً .... جعل الله يومكم ياسمين

من شقوق الأرض الخراب .... طلعتم وزرعتم جراحنا نسرينا

هذه ثورة الدفاتر والحبر .... فكونوا على الشفاه لحوناً

أمطرونا بطولة وشموخاً .... واغسلونا من قبحنا اغسلونا

وازرعوا البرتقال في أرض يافا .... واستعدوا لتقطفوا الزيتون

إن هذا العصر اليهودي وهمٌ .... سوف ينهار لو ملكنا اليقين

يا مجانين غزة ألف أهلاً بالمجانين .... إن هم حررونا

إن عصر العقل السياسي ولى من زمان .... فعلمونا الجنون

أولادنا بين مطرقة التعليم وسندان الإعلام

ونحن أيها الأحبة الكرام، نأخذ من هذ الحديث والحدث عبرة، في جميع البلاد العربية والإسلامية، وفي كل مكان يتآمر على جهازين اثنين؛ جهاز الإعلام، وجهاز التربية، يؤسفني كثيراً أن العالم العربي والإسلامي لا يزال في موته وتخديره بسبب جهازين اثنين؛ الإعلام، والتربية، والسر في انتفاضة الشعب الفلسطيني وصبره أنهم تجاوزوا خطورة الإعلام، وتجاوزوا خطورة التربية، واحتضن الأمهات والآباء أبناءهم، وهذا هو الدور الخطير، يوم أن يأتي من يحرف المنهج، فعلى كل أب، وكل أم، يأخذون صك الرعاية من محمد صلى الله عليه وسلم، يوم أن قال: «الأب راع ومسؤول عن رعيته، والزوجة راعية في بيتها ومسؤولة»، وكل والد من خلال مجالس الآباء المنبثة في العالم العربي والإسلامي، حاسبوا مناهج التربية، وحاسبوا الإعلام، جاؤوا وقالوا: لن نذهب بأبنائنا إلى المدارس ما دام أولادنا يخرجون ملحدين مشركين كافرين بالله رب العالمين.

لو عرف الآباء أدوارهم في التربية ما تركوا أولادهم فريسة المناهج الإلحادية

لو وقف الآباء وعرفوا أدوارهم لما استطاع المخربون والمدمرون أن يخرجوا لنا أجيالاً بعد أجيال، لا تعرف الله، ولا تنصر الحق، وإنما تجري خلف الموسيقى والمغني جاكسون، ومادونا وغيرهما، ولما ألهتهم هذه الرياضات والكرة ولتعلّقت قلوبهم في بيوت الله، وانتصر الحق كما انتصر الحق على أيدي أطفال صغار في فلسطين.

طفل وحجر حجة على البشر

والله يقيم حجته على الناس، ولو بأطفال وحجارة، كلكم قرأتم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في زمان أشد من زماننا هذا سيأتي، يوم أن يخرج الدجال، فيتبعه الجميع، يمر على الأرض الخربة، فتخرج كنوزها وتنبت الأرض.. ابتلاء عظيم، ولا تبقى دولة ولا مؤسسة ولا جهاز إلا ويجري خلف الدجال.. أتدرون من يتحداه؟

شباب مؤمنون في فلسطين والقدس يصلون خلف إمامهم.

ما دور مكة؟ .. ما دور المدينة المنورة؟

أعود إلى الأحاديث فتذكر الأعاجيب!

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مكة والمدينة لا يستطيع البشر حمايتها، إنما في هذه اللحظة تحميها الملائكة يوم أن يتخاذل الناس عن حماية بيت الله الحرام.

ملائكة بسيوفها وأسلحتها على حدود المدينة ومكة.. ويأتي الدجال إلى المدينة المنورة، فترجف المدينة بمن فيها، ضاق صدرها، وضاق ترابها، لما فيها من وباء فكري، تلفظ بهم، يقول الحديث: «يتبع الدجال من أهل المدينة ستون ألفاً».

أتدرون من يتحداه؟

شاب واحد، مدينة كاملة، فيها المسجد النبوي، لا يوجد من بينهم من يتحدى الدجال إلا واحد.. واحد.. والله واحد.. هكذا تقول الأحاديث،

يخرج إليه فيقول: أنت الدجال، فيقول الدجال له: أنا ربك، فيقول الشاب: بل أنت الدجال، فيقول الدجال: أنا قادر على أن أذبحك وأحييك، فيقول الشاب: بل أنت الدجال.

فيؤمر به، فيشق نصفين، يلقى نصف عن يمين، ونصف عن شمال، يمشي بينهما، ثم يقول له: قم، فيلتئمان بقدرة الله رب العالمين، ابتلاء للأمة في ذلك الزمان.

فيقول الدجال: أرأيتم أيها الناس، أحييته.

فماذا يقول الشاب؟

يقول الشاب: الآن أنا أشد معرفة لك ويقيناً، أنت الدجال الأعور، إنك أعور، وربي ليس أعور.

شاب واحد، وهو يشاهد ستين ألفاً يتبعونه، ويظل صامداً صابراً، أقام الله بشاب صغير حجته على أهل ذلك الزمان.

فيا أحبتي في الله، انتبهوا، انتبهوا من الدجالين الصغار الذين يخططون في الليل والنهار، لتضليل أفكار أبنائنا، وتدمير مناهجهم.

ولدك عندما تسلمه أمانة إلى المدرسة، فاعلم أنك لم تتبرأ من مسؤوليتك أبداً حتى تعلم ماذا يتعلم؟ ماذا يأخذ؟ ماذا يدرس؟

يعود إليك مسلماً قد زاد إيمانه أم لا؟

هذه مسؤولية كل والد، لهذا نحن الآن لا نزال نتعلم الدروس بعد الدروس، من تلاميذ غزة الذين ثبتوا أمام أعتى وأشد عدو في الوجود، كما قال سبحانه في كتابه الكريم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) (المائدة: 82).

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا ووحدانيتك، أن تصلح أبناءنا، وبناتنا، ومدارسنا، ومناهجنا، وأن تجعلنا مسلمين صادقين.

اللهم يسّر لنا المناهج الطيبة الإيمانية الإسلامية، والمدرس والمربي المؤمن الذي يتدفق من قلبه الإيمان، ويسّر لنا يا أرحم الراحمين دعاة صادقين، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، ونسألك اللهم أن تنصر المجاهدين في فلسطين، وفي أفغانستان، وفي كل مكان.

اللهم سدد رميهم، واجبر كسرهم، وفك أسرهم، وثبت أقدامهم، واربط على الخير قلوبهم، وانصرهم على من عاداهم، إنك على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفره، وادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة.

كيف تنتصر القلة على الكثرة

أما بعد، عباد الله..

فإن الله عنده جنود السماوات والأرض، في معركة «بدر»، تسلطت شياطين الإنس والجن، لإجهاض هذه المعركة الخطيرة التي لا نزال نحن في جميع معاركنا نتتلمذ على معركة «بدر».

الشيطان جاء إلى الشباب المجاهدين مع محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة المعركة، وجعلهم يحتلمون، وأصبح كل واحد جنباً، ثم دخل في أجسامهم، وجرى مجرى الدم، وأخذ يوسوس ويقول: كيف تخوضون معركة وأنتم لستم أطهاراً؟

كيف يموت أحدكم شهيداً وهو لم يغتسل عن جنابته؟

انظر إلى وساوس الشيطان، وانظر إلى الابتلاء الذي يأتي من الله للمؤمنين.

فسبحان الذي ثبتهم وصبّرهم.

بماذا عالج الله هذا الموقف الخطير، الذي الآن تعاني من رجز الشيطان أمة تعتبر بالملايين، مائة مليون عربي، وألف مليون مسلم يعانون من رجس الشيطان.

قال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ {11} إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ {12} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {13} ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ {14} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ {15} وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {16}‏ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {17} ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ {18} إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال).

وانتصر القلة على الكثرة، ينظر إليهم الحبيب، فيقول: اللهم إنهم عراة فاكسهم، جياع فأطعمهم، حفاة فاحملهم، عالة فأغنهم، انتصروا على الكثرة، وعلى السلاح.

أحبتي في الله..

الأجساد الطاهرة، والقلوب النظيفة، القلوب المؤمنة، الأفكار السليمة، هي التي تنتصر دائماً وأبداً في معاركها.

تعالوا معي إلى غزوة «الأحزاب»، يوم أن نقض العهد اليهود، الله سبحانه وتعالى أرسل جندياً واحداً من جنوده، جبرائيل، ينفخ الريح على الكفار، فهرب أمامه عشرة آلاف كافر مسلح.

واستدار النبي صلى الله عليه وسلم على اليهود وقالوا: اخسؤوا يا أحفاد القردة والخنازير، وأرسلوا وفدهم، وجاء سعد بن معاذ الجريح رضي الله عنه، فقال: اللهم استبقيني لأرى حكمك في اليهود.

قال: «أترضون حكم سعد؟».

قالوا: رضينا.

قال سعد: أحكم بأن يقتل المقاتلة، كل من حمل السلاح يُقتل، وأن تسبى الذراري والنساء، وأن تقسم الأموال غنائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، لقد بحكم الله من فوق سابع سماء».

النبي صلى الله عليه وسلم يثق في سعد لأنه تخرج من مدرسة المسجد، ولم يتخرج من مناهج هدامة تلوث الأفكار.

حكم بحكم الله فوق سابع سماء، لأنه خرج من مدرسة القرآن والتوحيد والدين.

وأخبر الله عن هذه الحقيقة، (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً {25} وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً {26} وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (الأحزاب).

فيا أحباءنا..       

   إذا التقى الدافع الديني مع الدافع الوطني فقد اليهود السيطرة على فلسطين وأهلها

ثقوا بهذه السُّنة التي لا تحول ولا تزول، وكان الله على كل شيء قديراً.

الانتفاضة الفلسطينية بأقلام يهودية

واليهود في جرائدهم يصرحون قائلين، استمعوا ماذا يقولون؟

صحيفة «معاريف» تقول: ومن موجة لأخرى قوتهم تزداد وقوتنا تنحصر.

وصحيفة «أحرونوت» تقول: إن ما نشهده هو البداية، ونحن على أبواب رحلة جديدة في هذه الأرض الملعونة.

يسمون أرض الميعاد ذات أنهار العسل واللبن والخمر كما يقولون، أصبحوا يسمونها أرضاً ملعونة، (لعنوا بما قالوا).

ضاقت الآن فلسطين عليهم ويسمونها أرضاً ملعونة.

وتقول جريدة «علهم شمار»: إن الأرض تحترق تحت اقدامنا، ولا يمكن لأي قبضة حديدية أن تعيد الهدوء للأراضي المحتلة.

وتقول جريدة «بوت»: إن الطريق، طريق الجحيم يمر في غزة.

وتقول جميع الصحف: هل نستطيع الاحتفاظ بهذه الأراضي إلى الأبد؟

ويقول مؤرخهم «أفنيري»: لقد وُلد للشعب الفلسطيني جيل جديد بصورة لا مثيل لها، مما لا يجعل في مقدور أي قوة في الأرض السيطرة عليه لمدة طويلة، إن المارد الفلسطيني خرج من القمقم، والقمع لا يكون هو الحل الصحيح.

ثم يقولون: إننا نخشى أن يلتقي الدافع الديني مع الدافع الوطني عند ذلك لا نستطيع أن نسيطر على الفلسطينيين في فلسطين.

هذه تصريحات أعدائنا، في زمن الأمة تملك من الجيوش والأموال من لو ألقت أموالها على اليهود لغرقوا من كثرتها.

وأناس عزل فقراء، لا يملكون إلا خبز اليوم، وليس خبز الغد، ولا يدري أحدهم؛ هل سيعيش إلى الغد أم لا، أو يجد طعاماً؟ ومع هذا، جعلهم الله جنداً له، وكما أخبر الشاعر عن أحوالهم:

صمتاً وقد نطق الرصاص وحسبنا

أن الرصاص إلى القتال ينادي

في سفح نابلس لهيب معارك

وعلى جبال القدس صوت جهاد

كل يصيح بنخوة عربية

كل يردد صرخة استنجاد

يا ثائراً بالنار يحمي أرضه

ويذبّ عنها جاهداً ويفادي

أنشدتني لحن الرصاص وربما

أشجاك في ليل الوغى إنشاد

قل للغفاة عن القتال ألم تروا

ماذا يراوح قدسكم ويغادي

أأموت في كف اللئام وأنتم

حولي ولم يهززكم استنجادي

أتودعوني حيث أقتل صابراً

بيد اليهود وتستباح بلادي

يا نائمين على الحرير وما دروا

أنا ننام على فراش قتاد

متلفعين دم المعارك ما لنا

إلا الحصا في القفر ظهر وساد

ولعلني ألقاك في رهج الوغى

ولعلني أمشي إلى استشهاد

ولعلني يوماً بجنبك يرتوي

فيه من الثارات قلب الصادي

يا نائمين على الحرير وما دروا

أننا ننام على فراش قتاد

ثم يبين حقيقة يعيشها كل شاب فلسطيني في تلك الليلة، ثم يبين فيقول:

ولعلني أمشي إلى استشهاد

أو أن عين الموت بالمرصاد

ثم يقول في نهايتها:

يا نائمين وما دروا أنا هنا

لسنا نذوق اليوم طعم رقاد

إخواننا والدهر فرق بيننا

 مدوا لنا منكم يد الأنجاد

هبوا إلينا بالبنادق بالظبي

 بالمال بالأرواح بالأعتاد

لبيك نابلس بكل مصابر

حر وكل مغامر ذواد

يفديك إن حمى الوطيس بنفسه

ويقيك بالأموال والأولاد

يا لفيلق العربي يمشي صارخاً

القوم قومي والبلاد بلادي

أحمي بنيران المدافع حقها

وأذود عنها بالرصاص العادي

من يستبيح حماي من يسطو عليّ

حتى ومن يلوي رفيع عمادي

أحبتي في الله..

نصرة لهؤلاء المجاهدين، علينا أن نجاهد بالأموال، فليس عجيباً أن يقدم الله الجهاد المالي على الجهاد النفسي، 9 مرات في كتابه، وليس غريباً أن يكون الجهاد النفسي يقوم على الجهاد المالي، وهذا أضعف الإيمان عندنا.

أحبتي في الله..

كما أنني في آخر هذه الخطبة، أذكركم أن هناك مخيماً في مدينة عجمان، وفيه أسبوع الانتفاضة، وسيكون إن شاء الله اليوم وغداً محاضرات في هذا الموضوع، لبعض الإخوة الذين جاؤوا من هناك من فلسطين، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في الجميع، وفي هذه الجهود، ويجعل بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين أمناً وإيماناً وسخاء ورخاء، وأن يصلح أبناءنا وبناتنا، وأزواجنا وأرحامنا.

دعاء الجمعة

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، ووحدانيتك، من أراد بنا وبالمسلمين سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، واجعل تدميره في تدبيره، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين.

اجعلنا في ضمانك وأمانك وبرك وإحسانك، اللهم إنا نسألك العافية في الجسد، والإصلاح في الولد، والأمن في البلد، برحمتك يا أرحم الراحمين.

هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

تحميل