الأربعاء 05-نوفمبر-2025 - 14 جمادى الأول ، 1447
التآمر على لبنان
التعريف بالخطبة
الأمن والأمان محض نعمة من الله، يحققها لمن حقق الإيمان به
سبحانه، فهو المتكفل بحفظ العباد وأرزاقهم وحمايتهم من كل ما يؤذيهم، فلا الشرق
ولا الغرب يملكون مع إرادة الله شيئًا، فمن أراد أن يحظى بتلك النعم فليلجأ إلى
المنعم جل جلاله.
عناصر الخطبة
·
تفاصيل
المؤامرة على لبنان.
·
كيف
يتحقق الأمن في البلاد؟
·
معادلة
الأمن والإيمان.
·
في
مواجهة الحصار الاقتصادي.
·
وما
يعلم جنود ربك إلا هو.
·
واذكروا
نعمة الله عليكم.
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا
هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله
عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في
النار.
دعاء وثناء
اللهم أنت أحق من ذُكر، وأحق من عُبد، وأنصرُ من ابتُغي، وأرأف
من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والأحد الذي لا ند
لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تُطاع إلا بإذنك، ولن تُعصى إلا بعلمك، تُطاع فتشكر،
وتُعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حُلْتَ دون النفوس، وأخذت بالنواصي، وكتبت
الآثار، ونسخت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت،
والحرام ما حرّمت، والدين ما شرعت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، والحكم حكمك، والأمر
أمرك، وأنت الله الرؤوف الرحيم.
نسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض، وصلح عليه أمر
الدنيا والآخرة، أن تقبلنا هذه الساعة، وأن ترحمنا هذه الساعة، وأن تجيرنا من
النار بقدرتك، يا من إليك المنتهى، وبيدك خزائن كل شيء، لا نحصي ثناء عليك، أنت
كما أثنيت على نفسك.
عباد الله..
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، حيث أمرنا في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: 102)، وقال سبحانه: (وَمَن
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ) (الطلاق: 2-3).
أيها الإخوة المسلمون..
يود الإنسان في هذه الأيام أن يتحدث عن الجوانب الإيمانية
التي ترقق القلب، وتُدمع العين؛ لأنه يستقبل شهر رمضان المبارك، ولكن الأحداث التي
في الساحة تفرض على الداعية المسلم أن يقف عندها وقفات يحتاج إليها المسلمون؛ لأن
التآمر عالمي، والمكر كبير، ولابد أن نذكر الصراط المستقيم، وحكم الإسلام؛ حتى لا
يُلَبَّسَ على الناس دينهم.
تفاصيل المؤامرة على لبنان
أيها الإخوة..
إن الذي حدث في الساحة من سيطرة اليهود على لبنان وقتلهم
المسلمين ليس بجهد اليهود وحدهم، فوالله إن اليهود وصفهم الله بالذلة والمسكنة
والجبن والخوف، والتاريخ يشهد لذلك، ولكن لما أصبحوا أكثر نفيرًا، وقف معهم
المعسكران: الشرقي المتمثل في روسيا، والغربي المتمثل في أمريكا، والطابور الخامس
الذين تقاسموا أدوار المسرحية، وأدوار الجريمة، الذين يسمون أنفسهم بدول الصمود
والتصدي، ومن ورائهم من يكمل الأدوار، فمنهم من يعلق الجرس في عنق الجريمة، ومنهم
من يؤيدها، ومنهم من يعارضها، ثم تكون النهاية بعد ذلك أن يتقدم المعتدلون الذين
يمسكون الحبل من وسطه، والذين يكونون في النهاية هم الذين يدفعون قيمة وأجرة
الأجراء، وثمن الأدوار، يدفعونها من عرق الشعب، وكدح الأمة، وأموال المسلمين إلى
كل ممثل أتقن دوره، ثم كانت النهاية ذبحًا للإسلام وذبحًا للمسلمين، وضياع أرض
المسلمين وعلى رأسها المسجد الأقصى مسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ومهبط
عيسى عليه الصلاة والسلام.
أيها الإخوة..
وتحت شعار مصلحة الأمة العربية، ومصلحة الوطن، والحفاظ على
الأمن والاستقرار، تتدفق الملايين إلى أبطال المسرحية، تتدفق الملايين من عرق
وجبين هذا الشعب من الأمة العربية والإسلامية، ولقد تقدم اليهود في وضح النهار
والشمس طالعة بأرتالهم، فرأينا الأعاجيب! ما تحركت دولةٌ حتى تمكَّن اليهود من أرض
لبنان، وحتى ذُبح من فيها من المسلمين، عند ذلك ظهر الأبطال، ظهروا لكي يؤدوا
أدوارهم، فيقبضوا القيمة، كما قبضوها سنة 1948م، وكما قبضوها سنة 1956، و1967،
و1973، و1981م، وكما قبضوها الآن، ومن قبل، وسيقبضونها في المستقبل، ما دمنا نضع
رؤوسنا في التراب، ما دمنا نعلن قتالنا بالمذكرات والاحتجاجات، والشجب
والاستنكارات، سيستأسد علينا أولئك الجبناء، وسيأتي المرتزقة من الذين يصطادون في
الماء العكر، اللؤماء الذين كلما أكرمتهم ازدادوا عليك لؤمًا وتمردًا.
أيها الإخوة..
تحت مظلة مصلحة الوطن، ومصلحة الأمة العربية، تؤخذ الملايين،
ولقد وقف المجلس وقفته، بالنسبة لقوات اللدغ العربية، والردح العربية، ووقف 17
نائبًا يعارضون الدعم للمدعوم، والشعب بينهما يُذبح، فكانت النتيجة، الموافقة لتتدفق
الملايين.
فإن كنا نريد مصلحة الوطن وأمنه فلا يملك مصلحته وأمنه إلا
الله
كيف يتحقق الأمن في البلاد
ونحن كل قضية نطرحها على الميزان الإسلامي، فإن كنا نريد مصلحة الوطن وأمنه فلا يملك مصلحتها وأمنها إلا الله،
الله يقرر في كتابه الكريم هذه الحقيقة، يوم أن أعلنت قريش أنها إذا اتبعت الدين
الصحيح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فإنها ستصاب بحصار اقتصادي، وسيتزعزع
أمنها السياسي، وستضيع منها المكانة الاجتماعية والدينية، وسيموتون من الجوع، ماذا
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم، تقول قريش: (وَقَالُوا
إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) (القصص: 57)، وهم يقولون الآن نفس المنطق: إن اتبعنا
الإسلام ومنهج الإسلام لن تدعنا أمريكا، ولن تدعنا روسيا، ولن تدعنا الدول
المتمثلة بأحزاب الشرق العميلة أو الغرب، سيبثون عناصرهم، وسيخربون بيوتنا،
ويدمرون أمننا، نفس المنطق الذي قالته قريش: (وَقَالُوا
إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)، قال الله سبحانه وتعالى: (أَوَلَمْ
نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا
مِن لَّدُنَّا) (القصص: 57).
إذن، الرزق من لدن الله رب العالمين: (وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ
يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) (العنكبوت: 60).
ويقدم الله أرزاق الدواب على أرزاق البشر، حتى يعلم البشر أن
الذي رزق النمل في الجحر، والسمكة في البحر؛ قادر على أن يرزق الإنسان ويطعمه من جوع،
لأن الرزق بيد الله، ولكن يوم أن يتدخل الإنسان بظلمه وطغيانه وذنوبه وخيانته؛ يموت
آلاف البشر؛ قتلًا وجوعًا وتشريدًا وقحطًا.
(رِزْقًا مِن لَّدُنَّا
وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (القصص:
57)، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا
وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (العنكبوت:
67)، الله أكبر؛ (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ
مِنْ حَوْلِهِمْ)، يا دول الخليج؛ (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ
حَوْلِهِمْ)، يا مجلس التعاون؛ (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ
يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ).
معادلة الأمن والإيمان
إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقرر هذه الحقيقة، حقيقة لمن
يكون الأمن، فيقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم متحدثًا عن إبراهيم خليل
الله: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ
أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنعام: 81)، فريق
الكافرين أم فريق المؤمنين؟ إن كان الأمن مع الشيطان فليعبد الشيطان، وإن كان
الأمن عند الرحمن فليعبد الرحمن (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ)، وهنا يجيب إبراهيم: (الَّذِينَ آمَنُواْ
وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم
مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82).
وإبراهيم عليه السلام يرافقه أمْنُ الله وهو يتحدى البشرية
الكافرة، يُلقى في النار، فيقول الله للنار: (كُونِي
بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69)، فيخرج
منها ماشيًا على قدميه لم تضره النار، من الذي سلب منها خاصية الإحراق؟ الذي يملك
الأمن بيديه هو الله رب العالمين.
أيها الإخوة المسلمون..
في مواجهة الحصار الاقتصادي
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) (التوبة: 28)، إن خفتم فقرًا وجوعًا وحصارًا اقتصاديًا،
وتزعزعًا أمنيًا، فمن أين البديل؟ (وَإِنْ خِفْتُمْ
عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء) (التوبة: 28).
الذي لا يؤمن أن الله على
كل شيء قدير فليراجع إيمانه
هذه حقيقة أيها الإخوة، والذي لا يؤمن بها فليراجع إيمانه
وإسلامه ألف مرة (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ. نَتْلُو
عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (القصص: 2-3)، والذي لا يؤمن
أن الله على كل شيء قدير، وأن الله بموسى الضعيف الذي لا حول له ولا قوة، دمر
به عرش فرعون ذي الجنود والجيوش والدول والتأييد والسحرة والوزراء والكبراء.. الذي
لا يؤمن بذلك فليراجع إيمانه؛ لأن الله يقول: (لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ).
(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ) لا يطعمكم أو يسقيكم أو يكفيكم، بل يجعلكم كلكم أغنياء، نعم،
والله جعلنا أغنياء، بل إن حياتنا هي حياة الملوك هذه الأيام، لما قال الله لبني
إسرائيل: (وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا) (المائدة:
20)، يقول ابن عباس: «من ملك دارًا وزوجة،
ودابة، وجارية تخدم؛ فهو الملك»، من منّا ليس عنده دار
ولا زوجة، ولا دابة، ولا خادم يخدمه؟! أكثر من 80% يعيشون حياة الملوك، ومع هذا لا
نثق بالله، ونوالي أعداء الله، ونمد أبطال المسرحية التي تذبح المسلمين، وتضيع
ديار الإسلام، نمدهم بالملايين.
دول الصمود والتصدي ماذا قدمت؟ متى دخلت في الحرب كما تزعم؟
أليس بعد أن وصل اليهود إلى بيروت؟ ثم ما الطائرات التي أُسقطت أو قاتلت؟ هناك
مخطط على أرض الشام سيُعلن عنه عاجلًا أو آجلًا، قيام دولة النصيريين، لكي تكون
قلبًا وقالبًا وأرضًا وشعبًا وحاكمًا، كلها من مذهب واحد نصيري، ثم تكون هناك دولة
ثانية بجوارها، تجمع جميع الطوائف ومعهم أهل السُّنة والمسلمين، هذا المخطط يُعد
له، ومن صور الإعداد له أنه إذا دارت مثل هذه الحروب مع دولة «إسرائيل» أن يُزج
فيها تلك العناصر المؤمنة، التي إذا ما قامت الدولة غير النصيرية سيكونون بطياريها
مظلة أمن وأمان عليها، فلابد أن نضرب عصفورين بحجر واحد، نظهر كأننا أبطال الوغى
وأبطال الميدان فنقبض الثمن، وفي الوقت نفسه لا نبقي طيارًا واحدًا من أهل
السُّنة، نزج به في حرب، فتسقط به الطائرة، وكم من الطائرات عندما نظر إليها
الخبراء العسكريون وجدوها سقطت نتيجة خلل فيها، دون أن تُصاب بقذيفة أو صاروخ،
ومعظم الطيارين إن لم يكونوا كلهم الذين خاضوا الحرب مع «إسرائيل» من أهل السُّنة
ومن المسلمين، لا من النصيريين.
الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم يقول: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن
فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ)
(التوبة: 28-29)، الله أكبر! وجاءت هذه الآية بعد تلك الآية مباشرة، لا فاصل
بينهما، الناس يظنون أنهم بالجهاد في سبيل الله يفتقرون، وإذا بالله بعد أن ذكر
الغنى الذي سوف ينزله عليهم لأي عبادة أمرهم، هل أمرهم أن يكونوا من المصلين، أو
الصائمين، أو المعتمرين، أو الحاجين أو المزكين؟ وإنما قال بعدها مباشرة: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ
بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ
يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ
الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29).
هكذا تُعالج القضايا، وتُحسم الأمور.
(وما يعلم جنود ربك إلا هو)
بماذا عالج الله قلوب المؤمنين؟ أنزل عليها الأمن والسكينة،
بجندي «النوم» الذي يقول الله عنه: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ
النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء
لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى
قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ)
(الأنفال: 11).
جندي النوم، جنود محمد صلى الله الله عليه وسلم.. السلاح
يتدلى من أيديهم، وغطيطهم يسمعه الجميع، ومعسكر الكفر عيونه مفتوحة، تحت الحراسة
المشددة، والله يتحداهم، هؤلاء جند نيام.. لا حراسة، ولا يقظة، أتحداكم بهم، فإن
استطعتم فتقدموا إليهم، فأعمى الله أبصارهم، وطمس على قلوبهم، ولم يتحرك جندي واحد
من معسكر الكفر، لكي يرى أصحاب محمد وجنود الرحمن ينامون في غاية الاطمئنان، وهم
على أبواب حرب حاسمة، معركة بدر الكبرى.
لنثق بالله، ونتوكل على الله، ونكون صادقين مع عقيدتنا حينما
نقول: رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، ومحمد رسولًا.
(واذكروا نعمة الله عليكم)
(وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي
الأَرْضِ) (الأنفال: 26)، اذكروا يا أهل الكويت، يوم أن كنتم تقتلعون اللقمة من
أفواه السمك في أعماق البحار، اذكروا يا أهل هذا البلد الطيب والرب الغفور، يوم أن
كان الرجل يفارق زوجته ثلاثة أشهر في الغوص، وثلاثة في السفر، ولا يراها إلا أيامًا
قليلة، تشكو إليه همّها وفقرها، وقلة حولها وهوانها على الناس، تذكّروا يوم أن كان
الطفل يسقط مريضًا فلا يجد طبيبًا يعالجه، وكأن هذه الآية تنطبق علينا حرفيًا.
(وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ
مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) وأكبر دليل على خوفنا من أن يتخطفنا الناس أنه في أقل من
شهر واحد بنينا سور الكويت، يطوّق البلد من جميع الجوانب.. لا تظنوا أنها علامة
بطولة، إنها علامة خوف.
ولكن من الذي أنجانا؟ سورنا، أو جنودنا؟ من الذي دفع الجنود
المتدفقة القادمة من جهة الشمال؟ الذين يعتبرون قتل الكويتي جهادًا في سبيل الله؟
من الذي دفعهم؟ إنه الله رب العالمين.
اقرؤوا التاريخ، (وَاذْكُرُواْ إِذْ
أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ
النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فشكرنا؛ شكرنا بشرب
الخمور! شكرنا بأكل الربا! شكرنا بتحكيم شرع البشر! شكرنا في اللحظات التي يُذبح
فيها المسلمون، بأن أصبح شغل الناس الشاغل هل أدخل «الأزرق» هدفًا! أصبح شغل الناس
الشاغل الذين لم يركعوا لله ركعة في الجوف الأخير من الليل يسهرون إلى أذان الفجر
يتابعون كرة العالم، ودورة الكرة.
والله إن اليهود يعرفون كيف يُحكِمون الضربة ويختارون الوقت..
ملايين الجماهير في العالم العربي والإسلامي تتابع الكرة في الجوف الأخير من
الليل، ولا تتابع أمًّا تنوح على ابنها، بعد أن بلغ عشرين عامًا، وأفنت فيه زهرة
شبابها، وتراه مسجى على الأرض، يتعفر شعره ودمه بالتراب، وأولادها تحت الأنقاض،
وزوجها مأسور في أيدي اليهود، إنهم لم يتابعوا ذلك وما عرفوه.. يعرف اليهود كيف
يوقِّتون..
أبطالَ المسرحية العالمية.. بعد أن تمكن اليهود من لبنان،
وذُبح المسلمون- بعدها مباشرة- تلاشت مشكلات العالم، استسلمت الأرجنتين، وظهرت
بريطانيا بطلة، وسكت العالم، وستنتهي حتى الحرب الإيرانية العراقية! أليس رئيس
رومانيا الماسوني يعالج الآن هذه القضية؟! هذا الثعلبان الألعبان.. ستنتهي أيضًا،
وستنتهي دورة الكرة، وقد أدت دورها، كما أدى غيرها دوره، وتدخل اليهود في مرحلة
جديدة، وتخطط لها، وتنفذ لها، وسنظل نؤدي الأدوار، ونتفرج، حتى يأتونا في بلادنا
فيذبحونا ذبح الشياه.
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ
لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ) (النساء: 9)، أتخافون على ذراريكم الضعاف الذين كأنهم فراخ
الحمام، زغب الريش لم ينبت فيهم.. أولاد الترف، أولاد النعمة، إذا لم تكن السيارة
مكيفة أصبح وجهه أزرق من الحر، أتخافون عليهم؟ لنستمع ماذا يقول الله: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ
ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ) ما
الإنقاذ يا رب إذا خفنا عليهم؟ (فَلْيَتَّقُوا
اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا) (النساء: 9).
(قَوْلًا سَدِيدًا): ما أصعبها؟
اقرأوا الصحف، واستمعوا إلى الإذاعات، استمعوا إلى الخطابات،
استمعوا إلى وعّاظ وخطباء الوظيفة.
(فَلْيَتَّقُوا اللّهَ
وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا).. أين القول السديد؟
أيها الإخوة المسلمون..
لا نملك إلا أن نتوجه إلى الله بالدعاء، ونقول صادقين مخلصين
من قلوبنا: أن لا ملجأ من الله إلا إليه.
اللهم إنا نستغفرك من الذنوب التي كانت سببًا في بلائنا،
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت
أهله، أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشيدًا، يعز
فيه وليُّك، ويذل فيه عدوك، ويُعمل فيه بطاعتك ورضاك، أقول قولي هذا، وأستغفر الله
لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن
لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى
الأمانة، ونصح لهذه الأمة.
اللهم صلِّ على قائدي ومعلمي وأسوتي وأميري محمد بن عبدالله،
وعلى أصحابه الغر الميامين، الذين لو أراد الإسلام أن يتمثّل الإسلام في رجل لكان
أحدهم، ولو أردت أن تعرف الإسلام فانظر إلى صحابي تعرفه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ألقى بها
ربي، وأعرف بها دربي، وأدخل بها قبري، وأثقل بها الميزان.
أيها الإخوة المسلمون..
يقول الله تبارك وتعالى لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم،
يقول بالنسبة لجماهير القرى والقبائل العربية المحاصرة لمدينة الإسلام الناشئة على
أرض يثرب، وما أكثرهم يومها، فقد كانت المدينة المنورة قطرة في محيط كافر، فيقول
الله: (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ
فَلَقَاتَلُوكُمْ) (النساء: 90).
إذن، من الذي يسلّط العباد على العباد؟ من الذي يولي الظالمين
على الظالمين؟ الله رب العالمين، لا تغيب هذه الحقيقة، فإن أرضيناه فلنا منه
الرضا، وإن أسخطناه فعلينا منه السخط.
قال تعالى في كتابه الكريم: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا
قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا) (النحل: 112)؛ لأن بعض
القرى يأتيها رزقها، ولكن ليس رغدًا، إذا أراد أن يشتري دهنًا فلا يجد إلا نوعًا
واحدًا، أو خبزًا فلا يجد إلا نوعًا واحدًا، أو دواءً فلا يجد إلا الرديء، أو شرابًا
فلا يجد إلا الفاسد، أما (رَغَدًا) فهو أصناف وأنواع، اذهب إلى أي رف من أرفف
الجمعية، وأحص البلدان التي ساق الله لك منها الأطعمة، ستعجز عن إحصائها!
إن بعض البلاد التي ساق
الله لنا منها الأطعمة، أصحابها يزرعونها ولا يأكلونها
انظر إلى طعامك: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ
إِلَى طَعَامِهِ) (عبس: 24)، ليرى من كم بلد، ومن أي
بلد ساقه الله؟ والله إن بعض البلاد التي ساق الله
منها الأطعمة، أصحابها يزرعونها ولا يأكلونها.
(يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن
كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)، والعياذ بالله، وما
كتبت أيديهم من ذنوب ومعاصٍ.
ويقول سبحانه في كتابه الكريم: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم
لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24)، فإذا استجبنا لغير
الله ولغير الرسول، يدعونا إلى ماذا يا رب؟ قال: يدعوكم لما يميت دنياكم فلا
تأخذوا منها شيئًا، ويميت دينكم فتخسرون الدنيا والآخرة (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ
مِنكُمْ خَآصَّةً) (الأنفال: 25).
أيها الإخوة المسلمون..
نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ علينا إيماننا، وأن يحفظ
علينا ديننا، وأن يغفر لنا ذنوبنا، ولا يكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس
فنضيع.
اللهم إنا نعوذ بك أن نعذر الظالمين بظلمهم، ونعوذ بك اللهم
أن نكون رقعة في ثياب الظالمين، أو نركن إليهم يا رب العالمين، اللهم أنت نصيرنا،
وأنت ظهيرنا، وأنت حسبنا، وأنت مولانا، فنعم المولى ونعم النصير.
دعاء الختام
اللهم بك نصول، وبك نجول، ونبك نقاتل، وبك نحاول، وبك نحب،
وبك نبغض، وبك نوالي، وبك نعادي، يا أرحم الراحمين، منزل الكتاب، ومجري الحساب،
وهازم الأحزاب، اهزم أعداءنا، دمر أعداءنا، خذ أعداءنا، اخسف بأعدائنا، ارمِ عنا
أعداءنا يا رب العالمين، أرنا فيهم يومًا أسودَ كيوم فرعون وهامان وقارون، وما ذلك
على الله بعزيز، نبرأ إليك يا رب العالمين من ثقتنا، ونعوذ بك وبسلطانك العظيم،
وبجلال وجهك الكريم، يا رب العالمين، نعوذ بعزتك أن تضلنا يا أرحم الراحمين، فإن
أضللتنا هلكنا، فما لنا قوة إلا بك، توكلنا على الحي الذي لا يموت، توكلنا على
الحي الذي لا يموت، توكلنا على الحي الذي لا يموت، نشكو إليك ظلم الظالمين، نشكو
إليك ظلم الطواغيت، نشكو إليك شركاء الجريمة.
اللهم إن زرع باطلهم قد نما، وبلغ حصاده، فسلّط عليه يدًا من
الحق حاصدة، تستأصل جذوره، وتقتلع شروره، اللهم ثقة بعدلك، ثقة بعلمك، ثقة بحكمتك،
افتح بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين.
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.