السبت 05-يوليو-2025 - 10 محرّم ، 1447

أبو رهب وأبو لهب

105
2024-11-12

التعريف بالخطبة

تناولت الخطبة بأسلوب أدبي بليغ قصة أبي لهب ودوره في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم في صدر الدعوة، ثم تحدثت عن ورثة منهجه ومن يسير على دربه في زماننا المعاصر وهم «أبو نهب» الذي يتحكم في اقتصاد العالم بالربا والرشوة والاتجار في المال الحرام، وكذا «أبو رهب» الذي يسوم المؤمنين سوء العذاب بلا تهمة إلا أنهم يأخذون بأيدي الخلق إلى طريق الله المستقيم.

وفي الخطبة الثانية حذر الشيخ من عاقبة الترف ونشر الفساد، وبين أنه من أعظم أسباب هلاك الدول والأمم.

العناوين الرئيسة

1-منهج دعاة الحق واحد على مر العصور

2- أبو لهب بين الماضي والحاضر

3- الترف نذير هلاك الأمم

نص الخطبة

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة، السراج المنير، البشير النذير، حبيب رب العالمين، محمد بن عبدالله.

وارض الله عن الخلفاء الراشدين، والصحابة أجمعين، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

عباد الله..

إني أحبكم في الله، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق)، وجددوا إيمانكم بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، عليها نحيا وعليها نموت، وعليها نبعث يوم القيامة، بإذن الله.

منهج دعاة الحق واحد على مر العصور

أيها الأحباب الكرام..

منذ الداعية نوح، النبي المرسل من أولي العزم، إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين، وإلى ورثة العلم، والدعاة الصادقين، في كل مكان، دعوتهم واحدة؛ (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً {5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً {6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً {7} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً {8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً {9} فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً {10}‏ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً {11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً {12} مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً {13} وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) (نوح).

وماذا أيها الداعية؟ كيف كانت نتيجة دعوتك؟

النتيجة: (إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً) (نوح: 21).

لماذا يحرصون على الخسارة؟ خسارة الدين، خسارة الدنيا، خسارة الآخرة؛ (إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) (الإنسان: 27).

وهل هم منفلتون هكذا في الشهوات بلا قيود؟ (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً) (الإنسان: 28).

كيف ستكون نهايتهم؟

نهاية من يعاند ربه، ويعبد شهوته؛ (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ {50} ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) (الأنفال).

وهل لهم في التاريخ مثال؟

نعم؛ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال: 52).

ولكن، من الذي بدأ بالتغيير، فصار الناس من أمن إلى خوف، ومن سلم إلى حرب؟ لماذا كل ذلك؟ (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال: 53).

مساكين هؤلاء الناس، نسوا ما كانوا عليه في الماضي من قلة عدد، يستضعفهم القريب والبعيد، ولا يذكرون الآن أنهم أغنياء، (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال: 26).

اذكروا ذلك جيداً، والسبب وراء هذه المآسي، أبو لهب.. أبو لهب في الماضي، آذى محمداً صلى الله عليه وسلم، كان يمشي خلفه، يرجمه بالحجارة، ويصرف الناس عنه، وهذه مهمته في القديم وفي الحديث، صرف الناس عن الحق، وإلهاؤهم بالباطل.

أبو لهب الذي يدعو عليه القرآن: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ {3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) (المسد).

أتعرفون كيف مات أبو لهب؟

مات على يد امرأة؛ هي أم الفضل، زوجة العباس بن عبدالمطلب، أبو لهب الجبان، الذي استأجر رجلاً يقاتل مكانه في معركة «بدر»، بين أهل الكفر والإيمان، استأجر رجلاً يقاتل مكانه، وجلس متربعاً بين النساء في مكة، فكانت نهايته أن قام إلى عبد من عبيد أم الفضل فلطمه، فقامت أم الفضل زوج العباس، بلوح من حطب، ودكت رأس أبي لهب، فمات عليه لعنة الله، ولكنه أوصى أبناءه عبر الدهور والعصور، أن يسيروا على منهجه، وعلى منواله، فظهر من أحفاده ما يسمّى أبو نهب (بالنون)، الذين ينهبون الشعوب، ويمتصون الدماء، ويرابون في كل شيء، وظهر من أحفاده أبو رهب (بالراء)، أولئك الذين يفتحون السجون، يفتحون السجون للدعاة؛ المعتقلات والمشانق والنار والحديد.. أبناؤه منذ القديم والحديث؛ «أبو نهب» و«أبو رهب»، هم دائماً يطاردهم دعاء القرآن: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ {3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ).

أبو لهب بين الماضي والحاضر

وكما أن أبا لهب في الماضي لم يغنِ عنه ماله وما كسب، كذلك هو في كل زمان، (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)، فهذه البورصة العالمية تخسر المليارات، بعد المليارات، من أموال الربا التي امتصوها من الشعوب، وينتحر في البورصة العالمية من ينتحر، ويبكي من يبكي، وينطبق عليهم قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (البقرة: 276)، (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ).

أيها الأحباب الكرام..

وأبو رهب، وما أدراك ما أبو رهب، هذا الطاغوت الذي يسوم الدعاة سوء العذاب، شباب في عمر الورود، أطهر من ماء السماء، تخطفهم يد الجلاد بين الحين والحين، (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (البروج).

ما تهمتهم؟

تهمتهم اتصالات خارجية للإطاحة، تهمة واحدة نسمعها منذ أربعين عاماً، توجّه إلى الشباب المتدين، وكل الذي يطيحون هم من الضباط في حزب النظام نفسه، ولم تحدث مرة واحدة على كثرة التهم والمآسي، أن وصل المتدينون إلى الكراسي، إنما هو زور وبهتان من وحي العم سام.

كيف يصل المتدينون إلى الكراسي وهم في السجون والمعتقلات، أو مطاردة المخابرات في كل مكان؟!

كيف يتصلون اتصالات خارجية للإطاحة؟!

وتعلق رقابهم على المشانق، كيف يكون هذا؟!

كيف يصلون وهم كل ليلة تقرأ عليهم الوصايا العشر، في غرف التحقيق، أو في أقبية السجون؟!

                                                                                                 التهم المعلبة تطارد المصلحين في كل زمان ومكان

إذا أراد داعية مخلص قيام الليل، قرؤوا عليه الوصية الأولى:

عندما تذهب إلى النوم

تذكر أن تنام

كل صحو خارج النوم حرام

وخذ الفرشاة والمعجون واغسل

ما تبقى بين أسنانك من بعض الكلام

أنت لا تأمن أن تدهمك الشرطة حتى في المنام

ربما تشغر أو تعطش أو تنوي القيام

فدع المصباح مشبوباً لكي تدرأ عنك الاتهام

يا صديقي كل فعل في الظلام

هو تخطيط لإسقاط النظام

وإذا أراد المسكين أن يتوضأ للصلاة

قرؤوا عليه ورد الوضوء

احترم حظر التجول

لا تغادر غرفة النوم

إلى الحمام ليلاً للتبول

وإذا أراد أن يصلي

عرضوا عليه أذكار الصلاة

قبل أن تنوي الصلاة

اتصل بالسلطات

واشرح الوضع لها لا تتذمر

وخذ الأمر بروح وطنية

يا صديقي خطر أي اتصال بجهات خارجية

وإذا أراد الإفطار بعد الصيام، قرؤوا عليه الوصية الرابعة

عند إفطارك لا تشرب سوى كوب اللبن

قدح البن منبه، فتجنبه إذن

يا صديقي كل شخص منتبه

هو مشبوه مثير للفتن

يبتغي أن يشعل الوغى لإحراق الوطن

أما إذا أراد أن يطبخ سحوره

قرؤوا عليه وصية السحور

لك في المطبخ آلات تثير الارتياب

انتزع أنبوبة الغاز ولا تنس السكاكين

وأعواد الثقاب وأسياخ الكباب

ربما تطبخ شيئاً وتفوح الرائحة

ما الذي تفعله لو ضبطوا عندك هذه الأسلحة؟

هل ترى تقنعهم أنك مشغول

بإعداد طبيخ لا بإعداد انقلاب؟

وإذا أراد الخروج للعمل

علموه الوصية السادسة

قبل أن تخرج دع رأسك

في بيتك من باب الحذر

يا صديقي في بلاد العُرب

أضحى كل شيء في خطر

ما عدا رأس الشهر

وفي طريقه إلى العمل

وعند إشارات المرور تصيح

به الصفارات انتبه عند الإشارة

لا تقف حتى إذا احمرت

إذا كنت قريباً من سفارة

وإذا دخل على المسؤول للتوقيع

وجد لوحة الحكمة على رأسه

قد كتب فيها: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد

ربما قبل حلول الليل تبعد

ويزوره المخبر كل يوم

يجره إلى غرفة التحقيق

وفي الطريق ينصحه النصائح التالية:

أغلق السمع ولا تصغ لأبواق الخيانة

ليس في التحقيق ذل أو عذاب أو إهانة

أنت في التحقيق موفور الحصانة

ربما يشتمك الشرطي من باب الإهانة

هل تسمي ذلك اللطف إهانة؟!

ربما تربط في مروحة السقف

لكي تصبح في أعلى مكانة

هل تسمي ذلك العز إهانة؟!

ربما مصلحة التحقيق تضطر المحقق

أن يجس النبض من كل الزوايا

ويدقق فإذا جسك من ظهرك

أو ثبت فيه الخيزرانة

لا تظن الأمر ذلاً أو عذاباً أو مهانة

يا صديقي إن إثبات العصا في الظهر

إجراء ضروري لإثبات الإدانة

ومن شدة التعذيب في السجن يفكر المسكين في الموت ليستريح، ولكن هل يدعونه يموت حراً؟

لا.. يصيح به السجان والجلاد معاً

لا تمت منتحراً.. لا تسلم الموت لعزرائيل

(عزرائيل في القرآن الكريم: ملَك الموت، وفي قواميس الطواغيت اسمه ملِك الموت).

في وقت الوفاة ليس من حقك

أن تختار نوعية أو وقت الممات

انتبه.. لا تتدخل في اختصاص السلطات

إنها الوصايا العشر، يصبونها على شباب الصحوة والدعوة، في عالمنا اليوم، ثم تنتهي بهم النهاية إلى حكم الإعدام وحبال المشانق، لماذا؟

لهم اتصالات خارجية للإطاحة.

حتى تركوا الدعاة الآن ينادون ويكتبون بتجسير العلاقات مع جميع السلطات، ألا إن الجسور بيني وبينهم مقطوعة ومفصولة، وبيني وبين الراحمين العادلين موصولة.

أيها المسلمون..

هذا تأثير أبي لهب في الماضي، وأبي نهب، وأبي رهب، في الحاضر، تعالوا معي لنشاهد الثلاثة في عرصات يوم القيامة، (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ {23} وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {24}‏ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ {25} بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (الصافات)، نعم مستسلمون، يوم القيامة مستسلمون.

أين الأكاسرة؟ أين القياصرة؟ أين الجبابرة؟ أين الرؤساء؟ أين الزعماء؟ أين العظماء؟ أين العروش؟ أين القروش؟ أين الجيوش؟ (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (غافر: 16).

(يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (هود: 105).

اللهم إنا نبرأ إليك من أبي لهب، وأبي نهب، وأبي رهب، وأرنا فيهم عجائب قدرتك.

اللهم اجعل شتات أمة محمد دولة، وضعفهم قوة، وذلهم عزاً، وفقرهم غنى، وشتاتهم وحدة، وخوفهم أمناً.

اللهم إنا نسألك أن تنصر المجاهدين في كل مكان، نسألك تحرير الأقصى وفلسطين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفره، إنه هو الغفور الرحيم.

الترف والفساد نذير هلاك الأمم

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة.

وتمر علينا الأيام الثلاثة الماضية، ونحن في حزن شديد، يوم أن جاءت الراقصة واستُقبلت في المطار استقبال الفاتحين، جاء الخبير العسكري في المطار يستقبل، ليعلمهم كيفية انطلاق الصاروخ المضاد (أرض – أرض)، وأصبح الشعب في حزن، وألم، وبدأ الاحتفال ليلة الجمعة، ليلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.. جعلوها من أجل عيون وخاطر الراقصة، ولم يجعلوها من أجل عيون محمد صلى الله عليه وسلم، والله الذي يقول عنه في كتابه الكريم: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) (الطور: 48)، فإن سقطت الآن من عيون هؤلاء، عُبَّاد الشهوات، وعبيد الشهوة، فإنك في عيون أرحم الراحمين فإنه قال عنك: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً {45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً) (الأحزاب).

أحبتي في الله..

كيف يقدس الله أمة لا تتضرع وقت البلاء، لا تشتكي إلى الله وقت المصائب؟ كيف ينصر الله أمة تعاند ربها؟

(فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {43} فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ {44}‏ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام).

(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ {94} ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ {95}‏ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {96} أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ {98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {99} أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ) (الأعراف).

أحبتي في الله..

الله تعالى أنذر وأعذر إلى خلقه، (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) (القصص: 58).

ويقول سبحانه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ {42} وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ {43} وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ {44} فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ {45} أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ {46}‏ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {47} وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (الحج).

(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) (النحل: 112).

 إن الذين يرقصون ويغنون الآن خونة وعملاء.. لا ولاء ولا وفاء لهم لـ«الأقصى» ولا لفلسطين ولا لأوطانهم ولا لدينهم

أحبتي في الله..

ما تركنا أمراً، ولا نصيحة، ولا ذكراً إلا وذكرنا.. إلى جميع المسؤولين ذكّرنا، ولكن دخلت الراقصة.

أرسلت الديوانيات المخلصة توقيعاتها، رافضة هذا الوضع.

إخواننا الفلسطينيون يذبحون في لبنان.. تقرؤون الصحف، وشاهدتم صورة الأم الباكية التي تجعل القلب يبكي دماً، وقد احتضنت وليدها الرضيع، على صدرها المريض، فلم تجد له دواء ولا غذاء، ففرت من المخيمات.

إن الذين يرقصون ويغنون الآن خونة وعملاء، لا ولاء ولا وفاء لهم لـ«الأقصى» ولا لفلسطين، ولا لأوطانهم ولا لدينهم، ومن لا دين له لا أمانة له.

وكتب رجل غيور من شعراء الكويت قصيدة يبكي قلبه بها على الوضع، الوضع المأساوي، اختار لكم بعض أبياتها:

يقولون لي: ماذا بك اليوم صامت                   وكنت إذا ما شئت صغت القوافي

كفى بك حزناً أن ترى الفسق قد فشا               ونلقى له من بين قومك داعيا

وإن رثينا للمجون مجالسا                           لقد كسرت مملوءة ونواديا

وأن وفود الرقص جاء عزيزة                     عشية ميلاد النبي غوانيا

لترقص كي ترضي غرائز أقفرت                من الخير للشيطان كان صواديا

أتينا بهم للشر لا مرحباً بهم                      ليغروا شباباً عنهم كان لاهيا

أما علموا ما العرب فيه من الشقا               ومن فرق أغرت علينا الأعاديا

وأن بلاد الضاد في شر حالة                    عليهم ظلام الذل خيّم داجيا

فلبنان تشكو الجوع تندب حظها               تصيح على من لا يجيب ندائيا

وها نحن نشكو والصواريخ حولنا              ولما نال منا الشر قاص ودانيا

فما بالهم لا يشعرون بما جرى                  ضميرهم أمسى من الحس خاليا؟

فهل جاز هذا في بلاد كريمة                  يدوي بها صوت المؤذن عاليا؟

بلاد بها الإسلام غطى مهيمنا                  وما زال من عهد الصحابة باقيا

فمهلاً دعاة الشر حتى متى نرى              لكم كل يوم للضلالة داعيا

إذا قام للإصلاح في الناس مرشد           ليوقظ بين القوم من كان غافيا

تصدى له من بينكم ألف حاقد               على الدين فانهالوا عليه ضواريا

عدوهم من يدعو لله وحده                    وضدهم من كان للخير هاديا

رويدكم يا من تعادون دينكم                 كفى بكم عاراً كفاكم تماديا

غداً لكم يوم الحساب وإنه                   عسير عليكم يوم لا يخفى خافيا

أحبتي في الله..

نعلن من منبر الدفاع عن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن كرامته، وعن المسجد الأقصى، إنكارنا، فنقول: اللهم إن هذا منكر لا نرضاه، ولا ترضاه، وباطل ما يصنعون وما يفعلون.

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله، أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، اللهم كثرت ذنوبنا وخطايانا، فنبرأ إليك رب العالمين من الظالمين.

اللهم رحمتك التي وسعت كل شيء، رحماك، رحماك بالأطفال اليتامى، والنساء الثكالى، والشباب الحيارى، ونسألك اللهم نصراً مؤزراً لجندك المجاهدين على أرض فلسطين، وفي كل مكان.

اللهم إنا نسألك العافية في الجسد، والإصلاح في الولد، والأمر في هذا البلد وفي سائر بلاد المسلمين، وافتح بيننا وبين عُبّاد الشهوات بالحق وأنت خير الفاتحين.

اللهم افتح بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين.

اللهم احكم بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الحاكمين.

اللهم إنا نسألك الإجابة، وهذا الدعاء، وأنت ربنا القريب المجيب.

أيها الأحباب الكرام..

إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.

اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

تحميل