الجمعة 06-يونيو-2025 - 10 ذو الحجة ، 1446

الاستمتاع بالحياة وهادم اللذات

الاستمتاع بالحياة وهادم اللذات

عباد الله: أوصيكم بتقوى الله، حيث أمرنا في كتابه الكريم: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (آل عمران: 102)، وقال سبحانه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. ويرزقه من حيث لا يحتسب} (الطلاق: 2 – 3).

اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الرضا إلا عنك، ومن الطلب إلا منك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الذل إلا في طاعتك، ومن الرجاء إلا في يديك الكريمتين، ومن الرهبة إلا لجلالك العظيم.

اللهم تتابع بكر، واتصل خيرك، وكمل عطاؤك، وعمت فواضلك، وتمت نوافلك، وبر قسمك، وصدق وعدك، وحق على أعدائك وعيدك، ولم تبق حاجة إلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين.

فلا حول ولا قوة إلا بالله، إذا نزل بنا ملك الموت لقبض أرواحنا، لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا أُدخلنا في قبورنا مع أعمالنا، لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا طال يوم القيامة وقوفنا، لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا استدعانا للحساب ربنا، لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا تطايرت صحائفنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نثقل بها ميزاننا، لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا وجدت الصراط وسار العبيد، اللهم إنا نسألك مجيبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.

أيها الكرام البررة:

قال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هادم اللذات" (رواه الترمذي)، ويقول بعض الناس من عُبّاد الشهوات إذا جئتهم ناصحاً مذكراً قالوا: دعونا نستمتع بالحياة، فإنا آخر الحياة الموت، فوالله لقد أخطأوا الظن، إن الموت ليس آخر الحياة، ألا إنه النهاية لبداية الحياة، وهو الموت.

أما سمعتم الكافر يقول يوم القيامة: {يا ليتني قدمت لحياتي} (الفجر: 24)، فعلم أن الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة، وأن حياة الدنيا ما هي إلا ساعة أو لحظة {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة} (الروم: 55)، إذ أمر يقول اتركونا نستمتع بالحياة، نفرح بالحياة، وشبابنا، فإن آخر الحياة الموت، نقول لهم إنكم مخطئون {فلله الآخرة والأولى} (النجم: 25).

انطلاقاً من هذا المفهوم الخاطئ الذي يتداوله عُبّاد الشهوات، كنتُ ذات مرة مسافراً بالطائرة من بلاد الغرب، فإذا رجل مسلم في المطار يقع صريعاً بنوبة قلبية، وجرى الناس يبحثون عن الطبيب، وجاء الأطباء فأحاطوا به وعالجوه، فأفاق، فبعد الناس عنه، وكان عمره خمسين عاماً، وصاحبه الذي معه ستين سنة، ولما استقر في مقعد الطائرة، وكان جلوسهم خلفي، وإذا بهم يتحدثان عن لياليهم الحمراء، ويذكر كل واحد منهم طوافه في الأرض، طولاً وعرضاً، حتى استقر قرارهم في دول الغرب، وأخذوا يصفون لياليهم الحمراء، ومغامراتهم وهم بين السماء والأرض، فما أعظم حلم الله وصبر الله.

أيها الإخوة:

آلمني كثيراً وأنا أسمع أحدهم يقول لصاحبه: ما خبر زوجتك؟ وأبنائك؟ فيقول: الخير كثير، تركت لهم المال والسيارات وبنيت لهم البيت، وتفرغت لنفسي، فما تركت بلداً إلا ذهبت إليه.

وعجبت لهذا الميزان المقلوب... وتذكرت قوله تعالى: {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه. يسأل أيان يوم القيامة} (القيامة: 5 – 6)، يريد أن يفجر أمامه، فيخطط للفجور، ويسأل: أهناك قيامة؟ أهناك رجوع؟ أهناك بعث؟ فإذا قال شيطانه لا حساب، ولا رجوع، أوغل في الجريمة، وعبادة الشهوة {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه}.

وتذكرت قوله تعالى يوم أن تأتي اللحظة الحاسمة التي ينتظرها كل إنسان حي على هذا الوجود {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد. لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} (ق: 21 – 22).

لقد كنت في غفلة من هذا، لاهياً، ساهياً، تجري وراء الشهوات حتى جاءت اللحظة الحاسمة، أُخاطب هذا الصنف من الناس، الأزواج التاركين لزوجاتهم، في بيوتهم رهينة الحزن والألم كماً مهملاً لا قيمة له.

يترك زوجته لشياطين الإنس والجن ولا يراقب الله في ولد ولا بنات، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "البر لا يبلى والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان".

أترضى هذا الفعل لأهلك؟ أترضاه لولدك؟، لا، والله لا ترضاه، فما بالك تجول في الأرض تنتهب أعراض الناس، ألا تتوب؟ والله في كل ليلة ينزل في الجوف الأخير من الليل، ينادي هل من مستغفر فاغفر له، هل من سائل فأعطيه، أنا الملك، أنا الملك، أنا الملك".

وأنت وأمثالك في فراشك نائم، تنام على المعاصي، وتقوم على المعاصي، إلى متى والفرصة أمامك، ماذا بها هذه المسكينة تركتها وأبناءها في بتيها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ابك على خطيئتك، وأمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك" (رواه أبو داود والترمذي والبيهقي).

فليسعك في زوجتك وفي أولادك، أما تراقب الله، فوالله لو وستهم بيوتهم ما انتشروا في الأرض يعبدون من دون الله شهواتهم.

أتظن العلاقة الزوجية المال أو بيتاً، اسمع ماذا يقول الله: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها} (الروم: 20)، جعل الله بينها وبينك مودة ورحمة، لا درهم ولا دينار، عُد إلى بيتك، وتب إلى ربك، والتفت إلى أبنائك، وإلا هو دين عليك، وانتظر القصاص في إحدى بناتك، طال الزمن أو قصر.

دع عنك ما قد فات في زمن الصبا

واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب

لم ينسه الملكان حين نسيته

بل أثبتاه وأنت لاه تعلب

والروح فيك وديعة أودعتها

ستردها برغم منك وتسلب

وغرور دنياك التي تسعى لها

دار حقيقتها متاع تذهب

الليل فاعلم والنهار

كلاهما أنفسنا فيها تعد وتذهب

وصدق الله {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} (الأنبياء: 34).

وقال صلى الله عليه وسلم: "والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته" (متفق عليه).

وليس اليتيم من انتهى أبواه

من هم الحياة وخلفاه ذليلا

إن اليتيم هو الذي تلقى له

أماً تخلت أو أباً مشغولاً

أمّ تخلّت عنه تجري خلف الموضة والموديل، وأب تخلّى عنه خلف المال، أرصدة تكبرت في رصيده، يحمي عليها في نار جنهم فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم.

وصيتي إلى الآباء أن يستقروا في بيوتهم، ويلتفتوا إلى أهليهم، فما قيمة الحياة أن يأتي الإنسان يوم القيامة ويرى أولاده بأم عينه تقذفهم الزبانية إلى النار، وكان هو السبب في ذلك.

ثم يتقدم شاب ذات يوم محمر العين، أزرق الشفاه، ناحل الجسد، مرتجف الأعصاب، قال: سمعت محاضراتك، وأشرطتك، وإنني مدمن مخدرات، وعجز الطب عن علاجي، وعجزت نفسي، فكيف أنجو؟ أصحابي لا يتركونني، فقلت له: يا هذا؟ عندي خمسة أمور إذا فعلتها فاعمل ما شئت:

1 – إذا همّت نفسك بالمعصية، أردت أن تتعاطى المخدرات، فاختفي عن عين الله، فقال: كيف وهو يرى ما في السموات والأرض وما تحت الثرى، فقلت: كيف تعصيه وهو يراك؟

2 – الثانية: إذا هممت بالمعصية، فاتزع نفسك من ملك الله، قال: كيف أنزع نفسي، وله ملك السموات والأرض.

3 – فانزع نفسك من نعك الله، كيف ومنه السمع والبصر، وكل شيء، قلت: كيف تعصيه وأنت في ملكه، وهو يراك، وفي نعمته، فما تستحتي من الله.

4 – إذا جاءك ملك الموت فأخره لحظة، قال: لا أستطيع.

5 – قلت: إذا أخذتك الزبانية إلى النار فاستوقفهم، قال: لا أستطيع، قلت: إذن تب إلى الله، فقال: تبت إلى الله، وندمت على ما فعلت.

وتاب حتى ترك تدخين السجائر، أعالجهم بالدين، فليس غير الدين علاج، المتدينون، لا يشربون حتى السجائر، وهذا من أراد أن يعالج المخدرات وإدمانها، ويبعد الدين عن العلاج، سيبوء بالفشل.

لقد كان المسلمون مدمنين على الخمر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هذا من مخلفات الجاهلية، فعالجهم الله بالقرآن، وبالإيمان، فلما قال: {فهل أنتم منتهون} (المائدة: 19)، كسروا الكؤوس التي كانت بأيديهم، ومجوا الخمور التي في أفواههم، وصاحوا بصوت واحد، اللهم ربنا انتهينا، ألا إنه الوازع الديني، إذا أوجدناه في القلب، أصبح كل إنسان شرطيه فيه لا يحتاج إلى شرطة أو أمن، ولا قضاء ولا محاكم، إنه سيأتي كما جاء غيره من الصحابة يقولون: يا رسول الله، أصبنا حداً من حدود اللهن فطهرنا منه يا رسول الله.

ثم أتوجه إلى أولئك الذين يرجون المخدرات، اتقوا الله، أليس عندكم أولاد؟ أليس عندكم بنات؟ أترضون أن يدخل أولادكم عليكم يترنحون؟ فإذا لم يجدوا المخدرات حملوا السكين ليقتلوكم، ويأخذوها من بين أيديكم حتى في الغرب عالجوا المخدرات، أتريد يا من تروج المخدرات أن ينتهي ابنك، ولكن هو محاربة لأبنائهم وأرحامهم، وبث السموم حتى يتحول الجيل المسلم إلى جيل دعارة، وتقبل الدولة أن تتحول إلى مواخير للدخان الأزرق، واتق الله، ألا تعلم أن الجزاء من جنس العلم.

أما تسمع قوله تعالى: {في سموم وحميم. وظل من يحموم} (الواقعة: 42 – 43).

من أعطى أبناءنا المخدرات؟ وروج الخمور وسهلها إليهم؟ هذه نهايته، يستنشق السموم والحميم، ودخان جهنم الذي يقول عنه الله: {وظل من يحموم}.

عش إيقاع ومعنى اللفظة، يحرق الفم من الداخل، فماذا سيفعل بالرئتين يوم القيامة، وصدق الشاعر حيث يقول:

أولادنا أكبادنا

تمشي على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم

لامتنعت عيني عن النوم

وصدق الشاعر وهو يصف حبه لأولاده:

أليس عندك أولاد يتزاحمون على

مجالستك والقرب منك حيث ما انقلبوا

فنشيدهم بابا إذا فرحوا

ووعيدهم بابا إذا غضبوا

وهتافهم بابا إذا ابتعدوا

ونحيبهم بابا إذا اقتربوا

وبكل زاوية لهم صخاب

في الباب قد رسموا وقد كتبوا

في الصحن فيه بعض ما أكلوا

في علبة الحلوى التي نهبوا

في قطرة الماء التي سكبوا

رحماكم بأولادنا يا من ترجون المخدرات، وقاتل الله أولئك الذين يسمونهم الشرفاء ولا شرف ولا أُمناء.

قال صلى الله عليه وسلم: "وقد أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه" (متفق عليه).

أطالب الدولة بأقصى العقوبة لمن يدمرون الأولاد، ما مستقبل الشباب المدمن، يحقد على المجتمع، وينظر بمنظار أسود، يعتبر نفسه ضحية المجتمع، عودوا إلى الله، واتقوا الله في أولادنا.

أتوجه للأم، راقبيهم وتابعيهم ولا تركني لأحد في تربيتهم، نسألك الأمن في البلد، والعافية في الجسد.

أيها الإخوة... ويا أيتها الأخوات:

إن الله جل ثناؤه يذكر في كتابه الكريم مثالاً لهذا الأب الذي لا يراقب حلالاً، ولا حراماً، في كسب المال لأهله ويربيهم على الربا والحرام، يقول الله عنه: {يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه} (المعارج: 11)، هؤلاء الأبناء الذين كانوا يسعى لرزقهم، يقدمهم هو ودود للنار لينجو هو بنفسه، فيرفض الله فداءه، فيقدم صاحبته، أي زوجته، وأخيه، فلا يقبل الله، وفصيلته التي تؤويه {نزاعة للشوى} (المعارج: 16)، فروة الرأس، والجسم المنعم.

ورحم الله الصحابيات، إذا خرج زوجها لطلب الرزق، أمسكته عند الباب، وقالت: يا هذا، اتق الله في رزقنا، ما علمناك إلا آكلاً وليس رزاقاً، فإن ذهب الآكل، بقي الرازق، وإياك من الحرام، فلا يستجيب الله لدعائنا.

وأثنى الله على الذين يوجهون إلى الصلاة والدين: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} (طه: 132).

والرسول صلى لله عليه وسلم يصور لنا هذا الصنف من الناس، وهو في الأزمات الاقتصادية والأزمات النفسية والاجتماعية، يرفع يده إلى الله، أشعث، أغبر، ويقول يا الله وطعامه من حرام وغذي من حرام، فأنى يستجاب له.

أسألك اللم أن تهدنا إلى سواء السبيل.

فاز عبد ذكر ربه، فاز عبد بكى ذنبه، فاز عبد أدى فرضه، فاز عبد صان عرضه، فاز عبد تصدق بماله، فاز عبد ربى عياله، فاز عبد اتقى الله، من خشي على عقبه، وعقبى عقبه، فليتق الله، هكذا كان يقوم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.

والله يقول: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً} (النساء: 9).

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شافيته، ولا ميتاً إلا رحمته.