الاثنين 13-أكتوبر-2025 - 21 ربيع الآخر ، 1447

أصحاب الجنة وأصحاب النار

أصحاب الجنة وأصحاب النار

إن الترهيب والترغيب في كتاب الله يحتاج إلى قلوب حية، قلوب واعية، فو الذي نفسي بيده، لو كانت لنا تلك القلوب لتفطرت من الحزن، وهي تستمع إلى أحوال أهل النار، ولو كان لنا تلك القلوب لطارت أمام ثواب الله إلى رب الثواب، شعارها واسألك اللهم لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.

استمعوا معي إلى كلام ربكم وحبيبكم وهو يتلو عليكم في يوم عيدكم هذا، واستمعوا إليه بآذان قلوبكم، وهو يتكلم عن أصحاب الجنة، وعن أصحاب النار.

قال تعالى: الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق. والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب. والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة ومما رزقناهم سراً وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار} (سورة الرعد، الآية: 23).

وما عقبى الدار؟

استمعوا وهو يصفها ويصف الذين يتلاحقون إليها: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} (سورة الرعد، الآية: 23).

فقف معي عند قوله: ومن صلح هذا هو المحك: {ومن صلح}.

فيا أيها الوالد: ابكي عل ابنك الطالح الفاسد، إن لم يتب لن تراه في جنات النعيم، إن كنت من أهلها، أي سعادة يوم يبعث الإنسان يبحث عن والديه فلا يجدهما، عن زوجته عن بناته، فإذ هن كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، نعم، والذي نفسي بيده، هذا هو الشرط، وتلك هي الصفة {ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم...} (سورة الرعد، الآية: 23).

يأتي الخليل إبراهيم، خليل الرحمن الذي ألقي في النار من أجل ربه الذي طُرد من بلده من أجل دينه الذي حطم الأصنام بيمينه الذي رزقه الله ذرية من الأنبياء.

إبراهيم يأتي يوم القيامة يجر أباه آزر يقول: أي ربي، هذا أبي آزر، وقد وعدتني وأنت لا تخلف الميعاد {ولا تخزني يوم يبعثون} (سورة الشعراء، الآية: 87)، وأي خزيٌ من أن يلقى أبي في النار، من أن يلقى أبي الأبعد في النار، عند ذلك يقول الله: "يا إبراهيم لن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة"، انظر تحت قدميك، فيحيل الله والده آزر إلى ضبع ذبيح ملطخ بالدماء، فتحمله الزبانية من أقدامه، ثم يُلقى على رأسه في جهنم.

ومن صلح من آبائهم، هذه هي الفرصة، فإذا رأيت أحد أبويك يأكل الحرام فاذهب إليه وقبل أن ينتقل إلى دار الجزاء والقرار فقل له: يا أبتاه: رفقاً بنفسك، فهذا هو الوعيد المنتظر، اصلحوا البنات، اصلحوا الزوجات، اصلحوا الأرحام، صلوهم، ذكّروهم، مروهم، وانهوهم عن المنكر، فإن الأمر جد وليس هزلاً.

فإذا تم التلاحق العجيب تشاهد والديك زوجتك، أبناءك، أقاربك، أصدقاءك يُصعدهم الله درجة بعد درجة، ويُدخلهم قصراً بعد قصر، أي سرور وبهجة، وأي أنس وأنت ترى أمك تبتسم في وجهك في الفردوس الأعلى، ويشير إليك محمد صلى الله عليه وسلم إشارة الذي وفّى بعهده وأنقذ أهله: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} (سورة التحريم، الآية: 6).

هناك في جنات النعيم استمعوا إلى وصف الرحيم: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} (سورة الرعد، الآيات: 23 – 24).

الصبر على الطاعة، الصبر عن المعاصي والحرام صبر على الناس على جلاوزة الكفر: {والذين ينقضون عهد الله من بعده ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض...} (سورة الرعد، الآية: 25).

قد يكون الفساد محلياً في جزء من الأرض في مقال يكتب في مؤلّف في شخص في همس، في لمز، أو إغراء، لكنه محسوب عليه الفساد في الأرض، لأنها نية مظلمة سيئة لو تمكن من إفساد الناس جميعاً لفعل ذلك، هذه هي الصفة تتبع تلك النية: {أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} (سورة الرعد، الآية: 25).

وهنا تنقلنا آيات سورة الرعد إلى ذلك المقر العجيب، إما إلى رحمة الله، وإما إلى اللعنة إلى سورة الأعراف، التي فصلت تفصيلاً دقيقاً عميقاً عن الصنفين من الناس، ولينظر أحدكم مع أي الفريقين سيكون، إنها الفرصة أنت اليوم هنا وغداً هناك.

مقدمات الحدث الرهيب إعلان إلهي موجز: {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (سورة الأعراف، الآية: 34).

إعلان: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (سورة الأعراف، الآية: 35).

كلمة أصلح جهز نفسك للإصلاح وكن مع أهل الإصلاح، اعقد النية لا ينتهي هذا الإعلان عند باب المسجد فقط.

{والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (سورة الأعراف، الآية: 36).

تفصيل هذا الموجز القرآني الخطير: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} (سورة الأعراف، الآية: 37).

حظهم من الدنيا يأكلون، يتمتعون، يقضون عملهم كله لن يظلمهم الله قطرة ماء ولا لقمة غذاء، ولا نسمة هواء، ولا قطعة كساء، وبعد ذلك يقضون من الكتاب ما يختم لهم به وتأتي اللحظة الحاسمة والسؤال الخطير: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله} (سورة الأعراف، الآية: 37).

اللحظة الحاسمة يوم تصفر الوجوه، وتزيغ العيون، وتلتف الساق، وترتجف الأوصال، وتبرد العروق والأصابع، ويشحب الوجه، ويعصر الإنسان قلبه، ودمعه، يرى أن شفتيه لا يستطيع أن يفتحها، بأخف كلمة، لا إله إلا الله، وهي أثقل كلمة في الميزان، وأخف كلمة على اللسان، الناس حوله يتبادلون الحديث، {قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله} (سورة الأعراف، الآية: 37)، يتأهب الجميع لهذا السؤال، أين آلهة، الشجر، والبقر، والحجر، والبشر، أتباع الشهوة والهوى: {قالوا ضلوا عنا} (سورة الأعراف، الآية: 37).

بئس العابد والمعبود، الإحباط، اليأس، التمزق الأخير، أين أنت يوم إن كنت تلتصق بهم... ضيعوك... ضيعوا عنك كل شيء {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} (سورة الأعراف، الآية: 37).

هذه هي شهادته وليس شهادة غيره لم يحتاج ملك الموت إلى شهود، يشهد على نفسه أنه كافر، ولو قيل له هذا في الدنيا لرفض وغضب، شهد على نفسه في وقت هم فيه في أشد الحاجة لحسنة واحدة. وهنا يكون الحف الرهيب نتوقع في هذه النهاية الأليمة أن تُنقلنا الآيات إلى عالم البرزخ، ثم عالم البعث والنشور ثم المحشر، خمسين ألف سنة، أيام طوال، وإذا بالآيات، فجأة يختمون عمرهم وإنهم كافرون بحرف النون، وإذا بالقرآن ينقلنا في قعر الجحيم كأنهم لم يمروا على مشاهد القيامة.

{قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون} (سورة الأعراف، الآية: 38).

وهكذا يتمنى كل واحد منهم مضاعفة العذاب للآخر، من هو مثلك على في الحياة أن يكون أهل الكفر والعصيان، إذن الحق بهم وانضم إلى ركبهم لن تفلحك أقلام الكتاب ولا أفلام المصورين، ولا مدح المادحين، نعم ....... إليهم، وسيأتيك اليوم الذي تذكر الله للمرة الأولى والأخيرة.

شماتة الآخرين تظهر: {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين} (سورة الأعراف، الآية: 41)، تُفرش من تحتهم النار ويُلحقون بها وكل له عطاؤه يغشاه من فوقه يتشوى به يتغلى به أبد الأبد...

{والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} (سورة الأعراف، الآية: 42).

ماذا طلب الله منك؟

شق البحار، ونقل الجبال، وتحطيم الصخور؟ يوم أن تسعى إلى بيته تمشي منكوساً على قدميك، اختار لك أحسن الأديان، واختار لك أمين السماء، جبريل فأرسله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلك من أبوين مسلمين، ثم تأبى إلا أن تكون من أتباع العاصين والمجرمين.

نعود إلى أهل النور والإيمان {ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار} (سورة الأعراف، الآية: 43)، بشرها محمد صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه مغمور يقطر ماء الوضوء من لحيته ثلاثة أيام متتالية، هذا الرجل من أهل الجنة.

قال صلى الله عليه وسلم: "ينزع الغل من صدور الرجال على أبواب الجنة كمبارك الإبل" وصلوا عند أبواب الجنة وبعض الغل ما يزال في صدورهم ما هذا؟

ما أثر البرزخ؟ ما أثر المحشر؟ ما أثر مشاهد القيامة؟ كل ذلك والغل في صدورهم وقلوبهم أي بشر وأي أُناس حتى يلتصقوا بأبواب الجنة والغل ملتصق في قلوبهم حتى ينزعه الله من قلوبهم نزعاً، سبحان الله:

{ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعدك ربكم حقاً قالوا نعم} (سورة الأعراف، الآية: 44).

كلمة واحدة، الصدور ضيقة، الأنفس متحرجة، ومتحشرجة، فالعذاب يُصب عليهم صباً: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} (سورة الحج، الآية: 19)، {فأذّن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} (سورة الأعراف، الآية: 44).