الخميس 12-ديسمبر-2024 - 10 جمادى الآخر ، 1446

تسجيل الدخول

آثار الذنوب

آثار الذنوب

العالم العربي والإسلامي يُعاني ما يعاني، وسبب ذلك إصراره على الذنوب، والإصرار على المعاصي لها آثار في حياة الناس، وفي الحضارات، وفي المدينة، وفي حياتهم الدنيا، كالقلب في الجسد في حياتهم، في الآخرة، هناك عند الله إن الفردوس المنشود الذي يتمناه المفكرون والأدباء والعباقرة، ويذكرونه في كتاباتهم، الله أخبر عنه في كتابه، إن الفردوس المفقود في طاعة الله وفي رضاه، وفي حياة الإيمان، والإسلام.

قال تعالى في كتابه الكريم: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) } (سورة الأعراف، الآيات: 96 – 98).

هذه الآية التي فيها الفردوس المنشود في الدنيا قبل الآخرة، وسيظل الناس في شقاء وداء وبلاء ما داموا بعيدون عن الله، ويوم أن يصطلحوا مع الله يعم الرخاء والإخاء والصفاء فيما بينهم، والذنوب لها آثار، ومن آثارها:

حرمان العلم النافع:

وهذا الإمام الشافعي على ورعه وتقواه رأى نفسه بدأ ينسى العلم، فشكى إلى شيخه وكيع فيقول: (الجواب الكافي لمن سأل عن السؤال الشافي، الإمام ابن القيم).

شكوت إلى وكيع سوء حفظي

فأرشدني على ترك المعاصي

وقال أعلم بأن العلم نور

ونور الله لا يؤتاه عاصي

والله جل ثناؤه يعرض لنا نموذجاً من نماذج العلماء في القرآن الذين حفظوا العلم والدين، لكنه حفظه لعبادة الدرهم ومن أجل الدنيا والشهوة، فيقول عن هذا الصنف التعيس الذي يعيش في عالم الشياطين والأهواء: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهق ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا} (سورة الأعراف، الآيات: 75 – 76)، لا تنفعه موعظة ولا يذكر، وما أكثر هذا الصنف في زماننا أصحاب الفتاوى التي تبرر الانحرافات، ومن آثار الذنوب أيضاً:

حرمان الرزق:

قال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه والله يقول: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} (سورة الواقعة، الآية: 82)، ويذكر مجلبة الرزق وأبوابه فيقول: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} (سورة طه، الآية: 132).

ومن آثارها: وحشة في القلب، وظلمة في الوجه، وضيق في الصدر:

قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} (سورة طه، الآية: 124).

وقال سبحانه عن وجوه العاصين: {كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً} (سورة يونس عليه السلام، الآية: 27).

وقال عن صدورهم المتحشرجة الضيقة بالذنوب والمعاصي والهموم والغموم: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء} (سورة الأنعام، الآية: 125).

يقول حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه: إن للسيئة سواءة في الوجه وظلمة في الوجه والقبر، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق، هذا المصر على المعاصي والسيئات ولا يحب الطيبين الصالحين والصالحون لا يستطيعون الجلوس مع العاصين أبداً.

والله جل ثناؤه ميز بين الخبيث والطيب فلن يلتقيا لا في الدنيا ولا في الآخرة، ومن آثارها ضعف في الرزق ووهن في البدن.

والجيش الفرنسي في الحرب العالمية كان من أول أسباب هزيمته هو ضعف جنوده الذين يمارسون الشذوذ الجنسي والزنا حتى إذا ما جاء القتال كانوا ضعفاء عاجزين، فدخل الألمان عليهم وسيطروا على بلادهم في خلال 24 ساعة، وإحصائية أمريكا تقول كل 20 جندياً مقاتلاً بينهم 3 مصابون بأمراض الجنس القاتلة وغير صالحين للقتال.

ولا ننسى ما حدث لأمة الرومان والفرس، دب بهم الضعف والوهن، لأنهم كانوا يصرون على المعاصي والسيئات ويتعاطون الرذيلة.

وأصبحت الرذيلة عندهم فضيلة، ولا ننسى كيف كان الجنود الفرس والرومان كانوا يحضرون عشيقاتهم في خنادق القتال ولا يصبرون عنها.

نعم، إن الأندلس فُتحت بالدين، وضاعت بضياع الدين، أرسل الإسبان جاسوسهم، فدخل فوجد طفلاً تحت شجرة يبكي، يمسك في يديه نبلة، فقال: ما يبكيك يا بني، قال: على هذه الشجرة عصفوران، فأردت أن أصيبهم بسهم واحد، ولكني أصبتُ واحداً، وطار الآخر، ففشلت، وطار الآخر، وأنا الذي تمرست على الرمي، كيف يفوتني الآخر؟ عند ذلك عاد الجاسوس أدراجه وقال لمليكه: لا تقدروا عليهم الآن، ولكن انتظروا حتى يفعل فيهم الخمر والغناء ما يفعل، وأفتى لهم من أفتى بجواز الغناء، كما أفتى لهم بجواز الخمر.

في خلاقة بني العباس، ضاعت الخلافة العباسية بفتوى أن الخمر من غير عصير العنب فهي حلال، فشربوها، فأصبحت أمة سكارى ومعربدين.

وأفتى لأهل الأندلس بجواز الغناء، فصارت الموشحات بدل الذكر ترتفع إلى الله في الليل، وفي النهار يقرعون الكؤوس بالكؤوس، وينتقلون مع النساء والجواري بالبساتين، وأغلقت المساجد، وعشش عليها العنكبوت، وجاء الجاسوس بعد مرور زمن، فإذا به يسمع الغناء ينبعث من خلف الدور، والقصور امتلأت الكاسات، فعاد إلى مولاه وقال: الآن تقدرون عليهم، فاجتاحهم بلدة بلدة، ووقف عبد الله الصغير آخر ملك من ملوك بني الأحمر يبكي الأندلس، فقالت له أمه: ابكِ مثل النساء، مُلك مضاع لم تحافظ عليه مثل الرجال، وتولى وضاعت الأندلس بعد حُكمت أكثر من سبع قرون بالإسلام، من الذي ضيعها؟، إصرار الناس على الذنوب.

ومن آثارها كما يقول الله تعالى في كتابه: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون} (سورة النحل، الآية: 45).

ومن آثارها: الفضيحة والخزي في الدنيا والآخرة، وكشف الستر يوم أن يصر الإنسان على الرذيلة الزانية والزاني بعد قيام الحد يقول الله: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (سورة النور، الآية: 2).

والله جل ثناؤه يستر على العبد حتى يتمادى العبد ثم يفضحه الله في الدنيا ثم يفضحه في الآخرة: {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار} (سورة آل عمران، الآية: 192).

وقال تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (سورة النور، الآية: 24)، فلا ينفعهم التكتيم أو التجاوز للقانون.

ومن آثارها زوال النعم وذهاب الحضارات.

قال تعالى في تدمير الحضارات، اليونان، والإغريق، والفرس، والرومان، وعاد، وثمود، وتدمر، تلك الحضارات التي ذهبت وبادت بعد أن سادت، الذي دمرها وأهلكها إصرار الناس على الذنوب.

قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد} (سورة الفجر، الآية: 6)، القصور، والأعمدة الرخامية، عجائب الدنيا السبع، انظروا إلى سور الصين العظيم، أين الذين بنوه؟ أين الحضارات؟ هذا للماضين، ماذا بقي للظالمين؟ بقي لهم: {إن ربك لبالمرصاد} (سورة الفجر، الآية: 14).

إذا كنت في نعمة فارعها

فإن الذنوب تزيل النعم

ومن آثار الذنوب أن صاحبها يعيش ذليلاً مهاناً، والحسن البصري يقول هؤلاء وإن هملجت بهم البغال، وتراقصت بهم الخيول والبغال، فإن ذل المعصية على وجوههم وفي قلوبهم، ويأبى الله أن يذل من عصاه.

يقول ابن المبارك:

رأيت الذنوب تميت القلوب

وترك الذنوب حياة القلوب

يقول شعراء السكارى:

رمضان ولى هاتيها يا ساقي

فمشتاقة زُقت إلى مشتاق

هكذا يقول والله يقول لهم: {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد. من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد. يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ} (سورة إبراهيم عليه السلام، الآية: 15).

أهذه حياة، نسأل الله العافية.

ومن آثار الذنوب، ذهاب الحياء:

والله في كتابه يُرينا على الحياء ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا يعتبر الحياء شعبة من شعب الإيمان.

وكذلك مطاردة لعنة الله وملائكته والناس أجمعين، فالله لعن شارب الخمر، وحاملها، والمحمولة له، والمستوصلة، والنامصة، والمتنمصة، والواشمة، والمستوشمة، والواصلة والمستوصلة، والنامصة، والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة، ولعن من لعن والديه، ولعن المتخنسين من الرجل بالنساء، والمترجلات من النساء بالرجال، ومن ذبح لغير الله، ومن أحدث في الدين، أو آوى محدثاً، والمصورين والممثلين الذين يصنعون التماثيل، ومن عمل بعمل قوم لوط، وزوّارات القبور، والمتخذين عليها المساجد، ومن أفسد امرأة على زوجها، والمرأة التي تهجر فراش زوجها، ومن انتسب لغير أبيه، ومن أشار لأخيه المسلم بحديدة أو سلاح، ولعن من سب الصحابة، وخاصة الشيخين الجليلين أبا بكر وعمر، ومن كتم ما أنزل الله من البينات، ولعن الذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات، والراشي والمرتشي، وكثير من الأمور والمعاصي كل ذلك من آثار الذنوب.

ومن آثارها، يُحرم دعوة الملائكة الذين يحملون العرش: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك} (سورة غافر، الآية: 8)، وهذا دعاء الملائكة.

ومن آثارها ظهور الفساد في كل شيء: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} (سورة الروم، الآية: 41)، ويحرمون دفاع الله عنهم يوم القيامة، يوم أن يقول: {إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون. إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون} (سورة المؤمنون، الآيات: 109 – 111).

وكذلك يُحرم الإنسان بسبب ذنوبه خير الدنيا والآخرة، ثم في الآخرة التدمير الشامل، إذا ما تواطأ الناس على الناس في الذنوب.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا وأخذوا بالسنين وشدة المؤونة، وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا ومنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله".

أيها المسلمون: ألا ينطبق هذا الحديث على العالم العربي والإسلامي، نعم ورب الكعبة...